التناغم والانسجام في بيئة العمل
كيف يمكن أن نصبح سعداء في وظائفنا؟ وكيف يمكننا أن نساهم في إسعاد فريق عملنا ونخلق التناغم الجميل والود والمحبة والاحترام والإنتاجية لنحقق بيئة عمل نظيفة، فنجني منها ثمار النجاح والإنتاجية التي نطمح للوصول إليها من خلال هذا التناغم بين الموظف والمسؤول.
فلم يعد الحضور والانصراف أو التأخير والقوانين الصارمة قوة ردع حقيقية ومحركة رئيسية للإنتاجية في العمل على مستوى المؤسسات والشركات العامة والخاصة بل قد تكتشف مستقبلًا أن هذه القوانين واللوائح هي على عكس ذلك تمامًا.
أقول لكم ولا يخفى عليكم يجب أن تكون هناك علاقة يتم بناؤها في محيط بيئة العمل هي علاقة الموظف بمسؤوله وهي كانت ولا تزال لغزًا حير الكثيرين ممن عملوا في شؤون الموظفين ما يسمى الآن «إدارة الموارد البشرية» فمن خلال متابعتي لقصص الكثير من الشباب أثناء الجلسات الحوارية.
هناك قصص لا تصدق تصدر من بعض الإداريين أو المسؤولين من أخطاء يفكرون أنها حين تنفيذها، تفيد مجتمع بيئة العمل التي تحتاج إلى مرونة وحنكة مع الموظفين، فلنكن دائمًا لبقين ومحترمين في تعاملنا معهم.
صحيح هناك لوائح وقوانين لا يمكن تجاوزها تخص الطرفين، ولكن هل يمكننا فعلًا نحن البشر أن نخضع مشاعرنا لهذه القوانين والجزاءات؟ نحن معها ولكن بشرط أن تطبق بشكل نظامي وعادل بحق أي موظف يتجاوزها بشكل فوضوي وغير مكترث بنظام العمل.
هو مؤسس ورئيس شركة «تيبول جروب» المتخصِّصة في تقديم الاستشارات الإدارية لكبرى الشركات والمؤسسات، وتتميَّز بإسهاماتها في مجال المساعدة في خلق بيئة عمل صحية وناجحة.
يتحدث باتريك لينسيوني في كتابه «الأسباب الثلاثة للتعاسة في العمل» عن أهم سبب من هذه الأسباب الثلاثة، وهي الفجوة وتباعد العلاقات بين الموظفين والمسؤولين حيث يقول باتريك " يكون القرار بترك العمل في مؤسسة ما أو شركة أشد صعوبة عندما تشعر أن الآخرين في الفريق يعرفونك ويفهمونك على المستوى الشخصي.
والفرد الذي يكون له التأثير الأكبر عندما يهتم بأي فرد في العمل هو المسؤول، ويضيف باتريك مؤكدًا دور القائد قائلًا: أن يهتم اهتمامًا حقيقيًا وشخصيًا بالموظف لكي يزيد من شعوره بالرضا والقناعة وهذا تحفيز له من أجل زيادة الإنتاجية والإيجابية في بيئة العمل على المستوى «النفسي والاقتصادي والاجتماعي.» باختصار بسيط. يرى المؤلف أن الأسباب الرئيسية المؤدية إلى عدم الرضا هي تباعد العلاقات بين الموظفين والمسؤولين، وشعور الموظف أن دوره مهمش أو ضئيل داخل المؤسسة فهو فيها مجهول الهوية، والثانية فقدان الموظف للتقييم الذاتي.
من المعروف في مفهوم الإدارة أن المدير المباشر هو العامل الأهم في تحفيز الموظف وتطويره، أو في إحباطه وتعطيله نفسيًا وعمليًا، فإن كان واثقا، ذكيا متفهمًا لأدواره القيادية لن ينزعج أبدا من تألق مرؤوسيه، بل سيسعد بإنجازاتهم ويفتخر ويجيرها لصالح بيئة العمل في المؤسسة، أو لصالحه هو شخصيًا.
لأنه يدرك بحكم مسؤوليته القيادية أنه مسؤول مثقف إداري ونفسي، أن الموظف المتميز لا يشكل تهديدًا له، بقدر ما يمثل فرصة لنجاحه.
وبالمثل فإن خسارة موظف ممتلئ بالحماس والشغف للعمل تعني خسارة فرصة لتحقيق إنجاز، وأن استمرار توهجه مرهون بوجود مساحة من الراحة النفسية والحرية في التطوير الذاتي في مكان عمله.
يروي لي أحد الأصدقاء عن ابنه كيف أن حظه السيئ أوقعه في بداية حياته الوظيفية تحت إدارة شخص «أحمق جدا وغريب في تصرفاته»، تسبب له في إحباط مبكر كاد أن يدفعه لترك العمل قبل أن يبدأ.
يقول كان ابنه طموحًا ممتلئًا بالحماس والرغبة في العمل عندما أبرم الاتفاقية بينه وبين تلك المؤسسة، وكان الوحيد تقريبًا الذي يملأ الاجتماعات بالأفكار والمشاركات. يقول عن لسان ابنه لم أكن أعرف لماذا كان الجميع يلزمون الصمت، لكن حضرته «أي المدير» يقابل أفكاري واقتراحاتي ونشاطي بالاستهزاء والرفض والسخرية، مما تسبب في إصابتي باكتئاب وإحباط، تتفاقم مع الوقت حتى فكرت في الاستقالة.
وآخر يروي أنه كان يتمتع بجو عائلي جميل في شركته حتى عين للشركة مسؤولًا جديدًا وأعتقد أن هذا المسؤول تنقصه الخبرة في فن الإدارة والقيادة في مثل هذه الشركات حتى أنه ضيق الخناق بتصرفاته العمياء على الموظفين؛ لأنه يرى القيادة في منظومة العمل هي الرصد بالعين المجردة ورصد تحركات الموظف ليس لأدائه، بل للدخول والانصراف والبعض لديه كاميرات مراقبة على جميع الموظفين. فهل يقبل هذا المسؤول أن يعامل بنفس المعاملة؟
بالتأكيد الإجابة لا. وتذكر كما تدين تدان مستقبلًا.
أقول هنا إن الحماقة والغيرة من أسوأ الصفات في الإداري أو المسؤول، وأخطرها على بيئات العمل، لا أقصد هنا الجدية المحمودة التي تدفع للتنافس الشريف، وللمزيد من العطاء والإنتاجية، بل أعني نقيضتها الحاسدة والعمياء، التي لا تؤدي إلا للتعطيل والاغتيال الوظيفي، وتدمير المؤسسة قبل اليد العاملة بها.
ولعل أبرز علامات إصابة مسؤول بهذا الداء، هو محاربته للناجحين والموهوبين، كما حدث مع هذا الشاب ويحدث مع الكثير، فبدلا من دعم المتحمسين للعمل والتطوير والإبداع وتشجيعهم، تجده يحاول تهميشهم وإزاحتهم خوفًا من منافستهم له، أو خطفهم للأضواء. الأمر الذي يتسبب حتما في انخفاض الروح المعنوية عند جميع الموظفين، وإصابة منظومة العمل بالإحباط، وتجد البعض يفكر حتى بالاستقالة.
وغيرها من القصص والحوادث التي تحدث في بيئة العمل، ويخيل إلى الكثيرين والأغلبية بأن واجب الالتزام بساعات العمل الرسمية تقع على الموظف فقط. إلا أن هذا الأمر غير صحيح، كيف لا يعلم الناس ذلك؟ لأن الممارسة العملية كرست مفاهيم غير صحيحة في بيئة العمل.
بعض المسؤولين ويحاسبون موظفيهم على التأخير في الحضور إلى العمل، أو عند الخروج المبكر من مقر العمل وكأن المؤسسة قائمة فقط على هذا التشريع أو النظام ولا تهتم بالإنتاجية خلال ساعات العمل الرسمية. بل البعض يراقب بطريقة سلبية، ولكن يجب أن يكون الهدف الرئيسي من مراقبة الموظفين هو تحسين الأداء وتحقيق الأهداف المنشودة وليس العكس.
إن العلاقات الوظيفية ليست استعبادًا أو تنكيلًا أو تعجيزًا، بل هي علاقة مصالح مشتركة بين منظومة الإدارة والموظفين بحيث يكون الجميع، متساوين جميعًا في الحقوق والالتزامات، ويكون الجميع شركاء في تحقيق الأهداف وتكون تلك المؤسسة عبارة عن أسرة متكاملة في بيئتها، حتى تستطيع أن ترتقي بإنتاجها.
بيئة العمل يجب أن تكون نقية نظيفة ومريحة وتتميز بالترفيه والمتعة:
وهذه الأيام، تَعَمَّدَ المزيد من الشركات إلى جعل المرح والترفيه والمتعة جزءًا من ثقافة العمل بها. وهي تأمل أن تشجع وتحفز جميع موظفيها، لكنها تركز بشكل خاص على موظفيها الشباب، قد لا يكون الموظفون القدامى من هواة الأجواء الاحتفالية والمرح.
وقد أجريت دراسة من أساتذة في جامعة سان فرانسيسكو سلوك الأجيال المختلفة تجاه تخصيص وقت المرح في أماكن العمل، وعلى عكس فرضياتهم، وجدوا أن الموظفين القدامى لم يعتبروا ذلك تشويشًا على العمل أو تأثيرًا سلبيًا على الإنتاج. وخلصت الدراسة إلى أن الموظفين الأكبر سنًا، رغم سمعتهم المعروفة بأنهم صارمون وجادون في النظام والمثابرة وتحقيق الأهداف، لا يستفيدون فقط من أجواء المرح في العمل، بل يشجعونها أيضًا.
همسة في أذن كل مسؤول خصوصًا من جيل الشباب:
بقي أن نهمس في أذن كل مسؤول إداري خصوصًا إذا كان من فئة الشباب، بأن العدل والاحترام هما عمود الرضا وسر بيئات العمل الناجحة، فالموظف يستطيع الصبر على مشقة العمل، وقلة المقابل المادي، إن كان يعمل مع مسؤول يعامله بنفسية مريحة، ويقدر أفكاره ويحترمها.
وإن كنت مسؤولًا أو قائدًا لإحدى الشركات أو المؤسسات، فإنه يقع على عاتقك مسؤولية التأكد من تأسيس بيئة عمل جيدةٍ لموظفيك والتأكد من أن أعضاء الفريق يشعرون بالأمان والراحة أثناء العمل وأن يشعروا أيضًا بالرضا عن أدوارهم من خلال خلق بيئة عمل إيجابية نقية ونظيفة من الغيبة والغيرة والحسد بين الجسد الواحد في تلك المنظومة العملية.
لأن الانسجام والارتياح بين الجميع سيجعل مكان العمل أكثر إمتاعًا لجميع الموظفين مما يعني إنجازًا أكبر وتحقيق أهدافٍ أكثر مع أخطاء ومشاكل أقل وغيابات أقل أيضا بسبب رغبتهم في تحقيق نجاح جماعي. وتخيل بيئة عمل تَمَكَّنَ فيها البيانات ولا تقيدها. حيث تغذي الرؤى التعاونية التحسينات والإنجازات، وتقف رفاهية الموظفين جنبًا إلى جنب مع النجاح المشترك. هذه هي البيئة التي توفرها
برأيي المتواضع. أن بيئة العمل المريحة للموظف لا تكون بتحقيق رغبات الموظفين وطلباتهم بل ومداراتهم «إداريًا، واجتماعيًا، واقتصاديًا»، وكلنا يعلم أن إرضاء الناس غاية لا تدرك حتى وإن تفانى الموظف في عمله ولكن بأقل القليل احترام منظومة بيئة العمل من الجميع.