الاستجابة
الاستجابة هي ردة الفعل على مثير ما، سواء كان مثيرا ذاتيا أو موضوعيا. وهي إما استجابة سلبية تلجأ إلى الماضي؛ تعويضا عن الواقع البائس التي هي فيه، أو إيجابية، تتقبل الصدمة ثم تحاول التغلب عليها. وهذا السلوك بنوعيه نراه في الأفراد، ونراه في الأمم. غير أن الاستجابة الآن لم تعد استجابة حرة، لقد امتدت المغريات لشراء الاستجابة، فازدهرت صناعة الأقنعة، وراح النفاق يرفل بثوبه الأبيض وكأنه قائد منتصر، وتكفلت اللغة بخلق عبارات التبرير.
يقولون: إنهم يتمتعون بنعمة الديمقراطية، ولكن ماهي هذه الديمقراطية التي يتقلبون في أفيائها؟ وكيف استجابة الناخبين لها؟ إنها ديمقراطية لا يحصل عليها الفرد إلا ببذل الملايين من الدولارات؟ إنها دمقراطية تباع وتشترى، ولا يظفر بها إلا من ترضى عنه الشركات الممولة. وهكذا تكون الاستجابات لها مزورة ومدفوعة الثمن.
لا علاقة لهذا المقال باستجابة الأمم وعدم استجابتها فلندع نظرية توينبي في كهف النسيان، فالمقال يحصر اهتمامه في استجابة الأفراد والفئات، غاضا نظره عما عليه الأمة العربية؛ لأن الاستجابة للمثيرات فيها يراها حتى من فقد بصره.
لننظر إلى فئة الشعراء، فسنجد من يصنع السيوف اللغوية، ويهوي بها على رقاب الأعداء، ثم، ينتهي الموقف، ويذهب ضاحكا؛ لأنه أفرغ بركانه في القصيدة العصماء التي «قالها ليقال من ذا قالها» وينام «ملء جفونه» واثقا من أن المجتمع سيحفظ عصماءه عن ظهر قلب، ويحمله إلى قمة المجد، ماحيا الفرق بينه وبين الاستجابة الحقيقية للحدث التي تفضي إلى معاناة المثير إيجابيا. وهذا لا ينطبق بالطبع على كل الشعراء، ففيهم من يسبق سيفه قلمه، وفيهم من يتحسر؛ «لم أذق نشوة الكمين يدوي / فإذا السفح للغزاة مقابر»
وحين نسأل عن الفئات الأخرى نجد أن الاستجابة في السلوك العام ليست لموقف إنساني، بل موزعة حسب الهويات المعيقة للنمو الحضاري كالطائفية والبيئية «=المناطقية» والقبلية، وما في معانيها.
يغريني أن أسألك عن استجابتك للمثير التالي: لو أن فردا ما اغتصب «ديوانك» بالقوة، فماذا تكون عليه استجابتك؟ إذا كنت عربيا أصيلا، استقر حاتم في عقلك الباطن، فلا بد أن ترحب بذلك، وحينها ستكون استجابتك استجابة عربية الانتماء والهوية.
قل لي، هل أنت من أصحاب هذه الاستجابات، أم أن عاطفتك مقفلة؟ وحين تقف صباحا أمام المرآة هل ترى نفسك أم ترى شخصا آخر؟