التعصب ظاهرة بشرية معقدة
يُنتَج التعصب وفقًا لأسباب عديدة، إذ قد يستمد التعصب شرعيته من النسق الذي يألفه المجتمع. لذا من الممكن أن تكون شرعية هذا النسق دينية أو عرقية وغيرها من التداعيات التي يلجأ لها المتعصبون. لكن ما الذي يدفع البعض للتعصب؟
وهو في ظني سؤال مهم وتكمن أهميته في البحث عن الجذور التي يتكئ عليها المتعصبون. والإجابة عن السؤال تتضمن الإحاطة بالعوامل التي تدفع البعض للتعصب، أي الدراية بمكونات الفرد الثقافية، السياسية، الدينية، العرقية، التربوية، إلخ. لأن لا يمكن دراسة هذه الظاهرة بفصل إحدى أجزائها حيث إنها معقدة ومرتبطة ببعضها البعض. وبما أنَّ الإنسان كائن اجتماعي يتفاعل مع العوامل المؤثرة في تشكيله، لا ينبغي عن التغافل عن هذه العوامل التي أثرت بشكلٍ ما في تكوينه. وأتصور بأننا وإن حاولنا البحث عن الأسس التي ينطلق منها البعض متظاهرين بتعصبهم لا نصل للنتيجة الضرورية، أي لا بد أن يحضر الوعي التام بدوافع الإنسان وتناقضاته وكافة أشكال التضادات التي يتظاهر بها ويمارسها.
إذ من الملاحظ أن لدى الإنسان قابلية نحو الشر، وتتفاوت هذه القابلية من شخص لآخر وفقًا للعوامل المحيطة به، كما لديه أيضًا قابلية نحو الخير. وثمة ظروف محفزة في كونها سببًا لإظهار السلوك الذي ينطلق منه الفرد. لكن لا يكفي أن نضع الشر لوحده كتفسير لظاهرة التعصب. فالتعصب أشد عمقًا من تفسيره بصورة أُحادية. تظهرُ العوامل الاجتماعية والنفسانية والهوية وأنماط التربية والتعليم والفهم الديني وغيرها من التشكلات التي قد ينطلق منها الفرد لإبراز تعصبه، إذ يحمل مفهوم التعصب مضمونًا غير قابل للاختزال. يؤدي الاختزال بنحو أو آخر إلى تقديم صورة نمطية تتغافل عن كافة التفسيرات الأخرى، أي تقديم صورة مجتزأة. والصورة الأخطر للتعصب حينما تتضمن العنف. فالعنف في صورته الأبرز منطق هيمنة وإقصاء، والذي بدوره أدى إلى إسالة الكثير من الدماء وكافة أشكال المجازر والبشاعة في الحياة البشرية. وعليه ينبغي علينا استقصاء الحالات التي يضمرُ فيها الإقصاء وخطابات الكراهية ومنطق الأحادية وانعدام المعنى.
للتعصب علاقة وثيقة بالتطرف، فالتطرف ملازم للتعصب. المتعصبون لا ينظرون للزوايا الأخرى التي يراها الآخرون، بل لا يوافقون مبدأ التعددية. فالتعددية في نظرهم وهم، بمعنى أن ما يخالف توجههم مرفوض. ودائمًا ما يقدمون رأيهم على أنه إحدى المسلمات التي لا تقبل النقاش. يذكر عبد الغني عماد وهو أحد المتخصصين في علم الاجتماع في كتابه سوسيولوجيا الهوية“أن جماعات العنف والتطرف تتغذى من السوسيولوجيا قبل الأيديولوجيا ”. بما يعني وجود ثقافة سائدة حاضنة. ولكي تتقلص هذه الظاهرة لابُد من فكر مضاد يؤمن بالتعددية والاختلاف وحرية الآخر، أي أن يسّود التعايش والتسامح وقبول الإنسان بوصفه إنساناً بين أفراد المجتمع. وهنا يبرز الدور الأهم الذي يقع على مسؤولية المجتمعات.