استراحة الجمعة
كَتَبَ الدكتور/ غازي القصيبي كتابه ”استراحة الخميس“ سنة 1421 هـ، نظراً أن الإجازة الأسبوعية حينها يومي الخميس والجمعة، وقد عرض فيها مقالاته التي نشرها في جريدة الوطن كل يوم خميس تحت عنوان ”استراحة الخميس“، وكان القصيبي يستثمر وقت راحته يوم الخميس بالاطلاع على بعض الكتب التي تحويها مكتبته، ولا يعني أن هذا الكتاب هو ما قرأه أيام الخميس فقط!! بل يبدو لي أنها رسالة لمن يعانون من تنظيم الوقت ومسؤولياتهم ليست بحجم مسؤوليات الراحل القصيبي، في أن يعيدوا جدولة أوقاتهم ويمنحوها عناية أكبر من قبل.
وبما أن الإجازة الأسبوعية تغيّر وقتها إلى يومي الجمعة والسبت، فإن أناساً يجعلون هذه الإجازة للنوم أو إنجاز بعض الالتزامات الأخرى، وهذا أمرٌ جميل، إلا أنَّ ذلك يجب أن لا يحصل بشكل متكرر، فحريٌ بالإنسان أن يجعل له من أيام الإجازات الرسمية برنامجاً للقراءة أو للكتابة بمعيّة بعض الالتزامات الأخرى، وذلك بغرض التزوّد المعرفي، وترويحاً عن النفس في الوقت ذاته، فالترويح لا يعني تبديد الوقت وإضاعته؛ بل باستثماره بشكل أفضل، ومنها اللجوء إلى القراءة، وبحسب اطلاعي القاصر وكما قرأت في سير بعض العلماء، أن بعضهم يقرأ كتباً خارج التخصص في أوقات فراغه، كأن يقرأ في كتب الأدب والموسوعات وغيرها من الكتب.
وقد اعتدتُ منذ زمنٍ ليس باليسير أن جعلتُ إجازة نهاية الأسبوع للقراءة والكتابة والاطلاع، ويمتد الوقتُ من بعد صلاة الفجر أو في الصباح الباكر وحتى صلاة الظهر، وتارة يقطع البرنامج ظرفٌ ما، وهذا أمر طبيعي ومألوف، إلا أن هذا البرنامج الصباحي نهاية كل أسبوع هو السائد، أقلِّبُ الكتب متصفحاً وقارئاً وتارة مُحَضِّراً لموضوع أو بحث ما، وأحاول التملّص والاعتذار من بعض الجلسات التي تتعارض مع هذا البرنامج إلا ما اضطررتُ إليه. وكم استفدتُ من هذه الجلسات الهادئة لوحدي في المكتبة صباح كل «خميس وجمعة» سابقاً، وصباح كل «جمعة وسبتٍ» حالياً، وإذا كانت الأجواء - مثلا - لا تساعد على الخروج مع الأبناء نظراً للتغيّرات الجوّية «كالغبار والمطر الشديدين ونحوهما» عدتُ أدراجي للمكوث بين الكتب أمارس ما يتطلب من إنسان يجلس مع كتبه وكراريسه، كل ذلك بعد التنسيق مع العائلة، وربما مارستُ القراءة والتصفح بتواجدي بينهم، حيث اعتدتُ هذا الدور بجلوسي بينهم.
لا أريد سرد ما أقوم به من نشاط شخصي مع الكتب، إلا أنها رسالة لكل قارئ ومثقف أن يستثمر هذه الأوقات الصباحية وأوقات الفراغ بالقراءة والاطلاع، وأن يجدول الإنسان وقته وينظّمه بالطريقة التي تتناسب مع ظروفه ليحقق هذه الجزئية المهمة في حياته، ولا شك أنه سيخرج بنتائج مهمة جداً على السبيل الشخصي، فالقراءة والتصفح مهارةٌ ليس كل إنسان يجيدها، وإجادتها تتطلب ممارسة مستمرة لا منقطعة، بل كل شيء في الحياة يخلو من الممارسة فإنه ينعكس على جانب المهارة الذي قد ينخفض حال التقاعس والتكاسل.
وأذكر في هذا الصدد حينما جاء وباء كورونا، الذي تضايقَ كثيرٌ من الناس وسَعُدَ آخرون ”وهم القرّاء“ حيث انغرسوا في مكتباتهم كما تُغرس الشجرة، وما أن انجلت إجراءات كورونا بعد أشهر، إلا وقد أينع ذلك الغرسُ المختبئ بين الكتب فكانت الثمار مقالات وقراءات وبحوث وتجارب، ولم يعطوا العالم الخارجي إلا بقدر ما يتناسب مع ظرف طارئ كهذا، نظراً لأن حبْس القارئ بين أرفف مكتبته عشقٌ وأتى أوانه.
وكذلك أعرف بعض الباحثين الذين جعلوا من أيام الإجازات استراحة مع مكتباتهم، بل يُغلق بعضهم الجوّال لضمان أن أحداً لن يتصل به، مستثمراً حالة السبات العميق عند كثير من العوائل الذين يأخذون حالة استرخاء حتى الظهر، والتي على إثرها ينجزون ما تأخر من أعمالهم البحثية أو بالاطلاع على ما بحوزتهم من كنوز تمثل عصارة عقل بعض الباحثين.