النقود المتداولة في الأحساء
الإدارة العثمانية في متصرفية الأحساء
«1288 - 1331 هـ / 1871 - 1913 م»
الطبعة الثانية 1444 هـ - 2023 م
للمؤلف الدكتور/ محمد موسى القريني
جزء من المقدمة الطبعة الثانية «البرفسور الدكتور/ زكريا كرشون»
تتناول هذه الدراسة التي بين أيديكم البنية الإدارية لمتصرفية الأحساء في العهد العثماني بجميع جوانبها، ويعد الكتاب عملاً رائدًا لغياب الدراسات المماثلة حول الموضوع وعدم كفاية الأعمال القريبة المنجزة.
كما يكتسب الكتاب قيمةً إضافة كون كاتبه ابن المنطقة من جانب فله قابلية تحليل أحداثها بدقة ومن جانب آخر يجيد مهارة مراجعة الوثائق العثمانية من مصادرها الأولية.
إن موضوع النقود من الأمور المعقدة والمسائل التي يصعب أحيانًا فهم أوضاعها من حيث ارتفاع وهبوط أسعار الصرف والتبادل بشكل دقيق وبسهولة ويسر.
خصوصا مع عدم وجود نظام نقدي مستقر نظرا لأن الدولة العثمانية منذ النصف الثاني من القرن الثالث عشر الهجري / التاسع عشر الميلادي أصبحت أسواقها مفتوحة للنشاط الأوروبي حيث تتداول في أسواقها عملاتهم وترتبط بالأوضاع السياسية في الدولة العثمانية من جهة، والاقتصادية من جهة أخرى، وهي كما تعرف كانت في وضع تدهور مستمر وفي ظروف اقتصادية صعبة، وأصبحت عملتها هي الأخرى في هبوط مستمر نظرا لما أشرنا إليه إضافة إلى انتشار عمليات الغش في سك عملاتها خصوصا إذا ما عرفنا بأن العملات كانت معدنية وأن قيمتها تعتمد على نسبة المعدن الثمين فيها.
ويتميز لواء الأحساء بأن النشاط الاقتصادي فيه كان له خصوصيته، نظرًا لوقوعه في مواجهة أسواق عديدة مهمة وكبيرة كالسوق الإيرانية، السوق الهندية، إضافة إلى وجود أعداد غير قليلة من سكان تلك المناطق الذين يقيمون علاقات تجارية مع الأحساء، بل ويمارسون نشاطهم التجاري على أرضها، لذا فإن البيع والشراء كان يتم بنقود متعددة تختلف عن النقود العثمانية.
وعلى أية حال فإن الليرة العثمانية المسكوكة من الذهب التي هي أعلى قيمة نقدية عثمانية، قد حملت أسماء السلاطين الذين ضربت في عهدهم وكانت الليرة المجيدية تعادل مائة قرش «القرش عملة فضية عثمانية سكت لأول مرة في عام 1688 م بوزن ستة دراهم، وفي عهد السلطان محمود الثاني ضرب القرش بوزن درهم واحد».
«المسكوك من الفضة» أو خمسة مجيديات من الفضة. وكانت الليرة المجيدية قد ضربت منها فئات تعادل 5 ليرات، وأخرى 2,5 ليرة وثالثة نصف ليرة، ورابعة ربع ليرة، وبجانب الليرة الذهبية كان هناك المجيدي الفضي الذي يعادل 20، قرشا، كما كان هناك نصف المجيدي الفضي.
أما فيما يتعلق بالصرف لسعر القرش مقابل البارة فهو يعادل 40 بارة، وهناك عملة فضية أصغر هي. المتاليك وهي تعادل نصف القرش، ويضرب منها ما يعادل الربع قرش أيضًا، وثمن القرش يعادل 10 بارات،«البارة: عملة فضية عثمانية يرجع تاريخ سكها إلى عام 1520 م»، وخمس بارات على التوالي وأن أقيام الصرف لهذه العملات لم تكن مستقرة للأسباب التي أشرنا إليها نظرا لتقلب أسعار معدني الفضة والذهب اللذين يضربان منها.
لهذا فإن قلة الفضة والذهب لدى الدولة العثمانية قد حملها منذ فترة طويلة على ضرب نقود نحاسية أيضًا حيث سك منها فئة الخمس، بارات وعشر بارات التي تعادل «الميتلك» وفئة «متيلكان». إن كل العملات العثمانية التي سبق ذكرها كانت معروفة ومتداولة في لواء الأحساء.
«الأقجة: تعتبر أقدم عملة فضية عثمانية متداولة، وكانت من النقود المستعملة منذ أيام المغول»، أما فيما يتعلق بالعملات الإيرانية فالمتداول منها هو القران الفضي أو القران الشاهي، وهو أعلى قيمة من غيره من القرانات، وقد كان القرآن الفضي والليرة العثمانية تعادل 50، قرانا، يعادل 3 قروش وعشر بارات من العملة العثمانية.
وهناك نقد إيراني فضي آخر وهو ما يعرف بالتومان حيث يوجد منه من فئة عشرة قرانات، ومن فئة خمسة قرانات أيضًا من العملات الإيرانية.
وكانت العملة الإيرانية الأكثر شهرة وشيوعا في التداول في الأحساء والقطيف منذ القديم هي اللاري، أو ما يعرف أيضا بالطويلة، وهي في الأصل من منطقة لار في إيران.
«طويلة الآرية من معاملة لحسا المحمية وهناك أنواعاً أخرى من هذه العملة» ”الطويلة“ فهناك طويلة آل عرير التي سكت من معدن النحاس ممزوجا وقليل من الفضة في عهد بني خالد أثناء حكمهم في المنطقة. وهناك أيضًا نوع ثالث من الطويلة سكت متأخرًا من معدن النحاس وهي أقل قيمة بين النوعين، الفضي، ”الفضي النحاسي“.
وتسك من الفضة الخالصة وقدر لوريمر قيمتها بالنسبة العملة العثمانية بما يعادل 11/124 من القرش العثمان. أما العملات الهندية المتداولة في لواء الأحساء فهي الروبية المضروبة من الفضة وتعادل قيمتها سبعة قروش عثمانية، أما الآنة فهي! أصغر العملات الهندية المتداولة وهي مضروبة من النيكل وهي تعادل 1/61 من الروبية، منها أيضًا فئة، آنتين، أربع آنات. أما البيزة الهندية فتضرب من النحاس وتعادل 1/64 من الروبية.
وأخيرا، فلا بد من الإشارة إلى نقد أوربي كان له شهرة كبيرة وسمعة اقتصادية جيدة وهو الريال الفرنسي أو ريال ماري تريزا كما يسمى أيضا «دولار ماري تريزا» وهو يعادل 10,5 سنتات إنجليزية. كما يعادل 14 روبية هندية أو عشرة قروش وأربعا وعشرين بارة.
ومن الجدير بالإشارة أن الحكومة العثمانية كانت على علم بتداول هذه العملات الأجنبية في ممتلكاتها على البحار ا ومرتبطة بتجارتها بإيران والهند.
وإن سلع تلك الدول متداولة بكثرة فيها كولاية اليمن وولاية الحجاز وولاية بغداد وولاية البصرة، وقد جاء في التقرير الموجّه من ناظر المالية العثمانية إلى شورى الدولة المؤرخ في 28 رجب 1319 هـ / 1901 م ما يلي: «إن تداول المسكوكات الأجنبية في ممالك الدولة العثمانية ممنوع إلا ما استثنى من ذلك في ولاية الحجاز واليمن وبغداد والبصرة، وذلك بسبب مواقفها الخاصة وعلاقاتها التجارية، حيث سمح بتداول الريال الفرنسي والروبية الهندية والقرآن الإيراني في تلك الأماكن...».
ولدينا تقرير يشير إلى تدهور سعر صرف العملة العثمانية بالنسبة للعملات الأجنبية وقد أدى ذلك إلى إلحاق أضرار بالأهالي وبخزينة الدولة. وذكر التقرير أسباب التخفيض الذي قامت به الدولة في صرف العملة العثمانية نتيجة لهذا الوضع حيث ورد فيه: ”.. وبما أن سعر الفضة قد انخفض أخيرًا، فقد أدى إلى ارتفاع قيمة المسكوكات الأجنبية.“
مما أدى ذلك إلى تضرر الخزينة، وبناء عليه فقد خفضت العملة العثمانية بالنسبة للريال الفرنسي حيث أصبح يعادل 16 قرشًا، وبالنسبة للروبية الهندية إلى سبعة قروش وعشر بارات، والقران الإيراني إلى قرشين وثلاثين بارة...».
«عشر روبيات من السكة الهندية السالكة...» ولعل فيما ذكرنا بخصوص العملات المتداولة في لواء الأحساء وأسعار صرفها ما يساعد على فهم بعض الجوانب من اقتصاديات اللواء ومدى عدالة الضرائب والرسوم فيها. ولو توفرت لدينا أسعار السلع المتداولة وخصوصا المواد الغذائية لكان حكمنا على ذلك أقرب للدقة.