نظرات حياتية
هناك نظرات وتوصيات حياتية نستقيها ونستلهم منها الدروس والعبر، ونضعها كعلامات تحذيرية نرجع إليها عندما نهم بالإقدام على إطلاق كلمة نتفوه بها أو خطوة ننفذها على أرض الواقع، ولنلتفت إلى المحرك والباعث الأهم لخطانا وتحقيق تطلعاتنا ألا وهي الثقة بالنفس والقدرات الخاصة بنا، فهناك حد فاصل ما بين الإفراط في التوقعات يوصلنا إلى انتفاخ الذات وتضخمها دون أن يكون لذلك حقيقة واقعية «الإعجاب والوهم»، وبين التفريط والشعور بالنقص والدونية والاختلاف عن شخصيات الناجحين والمتفوقين وكأنهم نزلوا من كوكب آخر، بل هي الاطمئنان إلى وجود مجموعة من الطاقات المودعة فينا من الله تعالى علينا اكتشافها وتصفحها ومن ثم العمل على تنميتها وتنفيذ أهدافنا في الحياة واستغلال الفرص واستثمار الوقت لتتحول إلى إنجازات متراكمة، فالثقة بالنفس صانعة الإنجازات لمن نظر إلى نفسه دون أن يقارنها بما عليه الآخرون بنظرة سلبية.
فالمقارنة بالآخرين تأخذ بعدها الإيجابي عندما ننظر إلى ما يحوزونه من مقومات التقدم والمكانة العالية فنعمل على اكتسابها والتحلي بها، وأما المقارنة السلبية فهي عامل تدميري وتخريبي تصيب الفرد بالإفلاس في ميدان الفكر والعمل، حيث يشعر بالنقص والدونية ويعتقد بأنه لا يمكنه في يوم من الأيام أن يقدم شيئا من الإنجازات يستحق الإعجاب كما يقدم الآخرون، وذلك لأنه ينظر إليهم وكأنهم يمتلكون قدرات مميزة لا يمتلكها، والحقيقة الغائبة عنه أنه يمتلك إمكانيات وطاقات يمكنه بعد التعرف عليها توظيفها في الإطار والمسار الذي يتناسب مع تطلعاته وطموحاته، ويمتاز كل فرد بمواهب خاصة تختلف عن غيره ولكن هذا لا يعني بأنه مفتقر لكل شيء.
للآخرين تجاربهم ومواقفهم وخبراتهم التي نراها ونسمع عنها ونقرأ عنها، علينا أن نستفيد منها بعد التأمل فيها لكي لا نبدأ في خطانا من الصفر، ولكن بدون عقد مقارنات مع الآخرين ووضع مقاييس نرى أنفسنا من خلالها، فذلك يشكل في النهاية قناعة عندنا بأننا لا يمكننا فعل شيء، ومهما عملنا ونفذنا، فإنه سيكون ناقصا، ولذا فإن الانطلاقة الصحيحة في ميادين العلم والعمل المثابر هو الثقة بالنفس والتخلص من عقدة النقص، فكلنا لديه قدرات وإمكانيات يستطيع توظيفها في الاتجاه المناسب محققا طموحاته وآماله، فالتصالح مع الذات والرضا عن النفس الإيجابي هو مكافأة نفسه على ما يحققه من طموحات في كل مرحلة وخطوة ينجزها، والمقارنة الصائبة هي المقارنة مع نفسه - لا مع غيره - في كل مرحلة من مراحل حياته وعمله، فيراقب حركة التطور والتقدم الذي يطرأ عليه في المحطات المختلفة، فينظر إلى الزاد والمخزون المعرفي والثقافي المتراكم على شكل تجارب وخبرات وومضات يستنير بها في خطواته المستقبلية، كما أن المهارات والقدرات ليست على درجة واحدة بل هي مستويات متعددة، فينظر إلى تنقلاته وترقيه إلى مستويات أعلى أم أنه يسير بمنحنى انحداري يتناقص ويتراجع؛ ومن ثم عليه التعامل وفق تلك المعطيات؟!
ومن المعوقات في حركة الترقي والإنجاز هو التدخل في شؤون الآخرين لتكون إحدى المحطات التي تأخذ حيزا كبيرا من وقته، فينشغل بخصوصيات وأخبار الآخرين، ويتابعها بدقة متناهية حتى تغدو مفردة مهمة من يومياته لا يستغني عنها، فأحوال وأخبار الناس من حولنا أضحت مادة خصبة للأحاديث، بل وتحولت إلى مادة تندر في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي المقابل أغفلنا النظر عن أخطائنا وأوجه الضعف والتقصير عندنا وانشغلنا بأحوال الآخرين.
والعاقل يحاول أن يرعى سمعه وعقله لما يدور مع التنقيح والبصيرة فيما يناسب من عدمه، ويلجأ إلى حصن حصين من القوة والمنعة وهو كهف الصمت، فلا ينطق إلا في الوقت المناسب وبما يحقق الفائدة، إذ هناك أحاديث فارغة لا يخوض في الكلام عنها لأنها ببساطة مضيعة للدين «الغيبة والنميمة والفتن» والوقت، فهناك أفكار وكلمات سلبية ينبغي تنزيه العقل من مراكمتها في مخيلته، كما أن بعضها تعبر عن سلوك متهور يبعدنا عن الحلول المنطقية ويحول حياتنا إلى محطات صراع وخلافات ومشاحنات.