هل كانت مجرد فسيلة؟!
كثيرا ما مر بنا حديث النبي الأعظم ﷺ «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها».
لكن لا أخفيكم كلما أقرأ مفردات هذا الحديث أو أسمعها تتقافز في عقلي الكثير من التساؤلات والتأملات:
قيام الساعة! والتي نقرأ تداعياتها المهولة في الخطاب الرباني ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ «1» يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ «2»﴾ [الحج: آية 1,2]
نحن في دار الدنيا ومع الزلال أو البراكين أو صوت الرعد والعواصف نذهل عن كل شيء فكيف بأمر قيام الساعة، والتي لا يمكن تصورها، بل لا يمكن مقارنتها بالكوارث الطبيعية في دار الدنيا مهما بلغت في حدها الأعلى، مع ذلك يدعونا النبي الأعظم ﷺ إن أمكننا أن نغرس فسيلة النخل في ظل تداعيات قيام الساعة فلنفعل!!
الفسيلة… وهي النَّخلةُ الصَّغيرةُ تُقطَع من الأمّ أَو تُقلع من الأرض فتُغرس.
وهنا تتداعى لي الكثير من الأسئلة:
- هل تأكيد النبي الأعظم ﷺ على غرس الفسيلة، ناتج عن محبته للنخلة؟ وهو القائل «استوصوا بعمتكم النخلة خيرا فإنها خلقت من طينة آدم ألا ترون أنه ليس شيء من الشجرة تلقح غيره» أم أن ذلك ناتج لكونه بأبي هو وأمي يعيش في المدينة المنورة وهي بلد النخل لذلك كان المثال يناسب البيئة وبمعنى آخر لو كان النبي ﷺ يعيش في الشام لربما ذكر غرس غصن الزيتون… والله أعلم؟
- هل تأكيد النبي الأعظم ﷺ على غرس الفسيلة، هو إرشاد مباشر أو غير مباشر أن ليكن هم المسلمين الأول هو الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي؟
- قد يقول قائل.. أن خصوصية المورد لا تخصص الوارد.. فالنبي الأعظم ﷺ أراد تقريب المحسوس إلى المعقول.. فذكر مثال غرس الفسيلة باعتبار أن ذلك يمثل البيئة اليومية في المدينة المنورة.. وإلا فالرسالة المطوية أو الضمنية تتركز على إتقان العمل والحرص على خدمة الناس ونفعهم.
- ربما أراد النبي الأعظم ﷺ من خلال مثال غرس الفسيلة أن يربي حالة الصبر والنفس الطويل في صدور المسلمين، لا سيما العرب منهم المعروفين بأنهم أصحاب نفس قصير وعديمي أناة.
- لماذا أوصى النبي الأعظم ﷺ إلى إكمال مهمة غرس الفسيلة مثلا ولم يوصِ بالصلاة المستحبة أو الصيام أو التهليل مع أنه روايات أخرى أوصت بذلك " قال رسول الله ﷺ «من ختم له بلا إله إلا الله دخل الجنة، ومن ختم له بصيام يوم دخل الجنة، ومن ختم له بصدقة يريد بها وجه الله عز وجل دخل الجنة» هل نفهم من ذلك خدمة الناس، ونفعهم أولى وأكثر ثوابا قال النبي الأعظم ﷺ «أحب الناس إلى الله، أنفع الناس للناس»
- من المعروف قرآنيا أن نهاية الدنيا ما تشير له الآيات الكريمة التالية:
﴿إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ «1» وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ «2» وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ «3» وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ «4» "﴾ [الانفطار: آية 1,4] وكذلك من المؤصل له فقهيا.. أن عمل المسلم محترم أي له قيمته المالية والمعنوية.. أقول كيف نعلل أن يقوم المسلم عند قيام الساعة بكل أهوالها بجهد في كوكب «الأرض» مصيره التناثر، هل نعلل فقط بالأثر الأخروي والثواب وهو الوارد عن النبي الأعظم «يا أيها الناس إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.. إلخ» أم المسألة أعمق من ذلك، فقد ورد عن الإمام علي بن الحسين عليهما السلام أنه قال «إن الله خلق محمدا وعليا والطيبين من ذريتهما من نور عظمته، وأقامهم أشباحا قبل المخلوقات، ثم قال: أتظن أن الله لم يخلق خلقا سواكم؟ بلى والله! لقد خلق الله ألف ألف آدم، وألف ألف عالم، وأنت والله في آخر تلك العوالم» أي لعل المسألة ناظرة أنك تزرع وغيرك يأكل، حتى لو كان في عالم آخر وبرنامج رباني آخر.
- ماذا لو كان من قامت الساعة عليه.. طبيباً مثلا يجري عملية جراحية لمريض ما أو معلماً يقدم رسالة التعليم لطلابه هل يكون ثوابه ثواب من يغرس الفسيلة لوحدة الملاك والمناط أم المسألة مختلفة؟
ختاماً.. ربما الأسئلة التي طرحتها ذات طابع تفصيلي أو ربما خيالي نوعا ما.. لكنها محاولة على قدر بضاعتي المزجاة في الغوص في بحر كلمات أهل البيت واستخراج كنوزها لذلك هذه دعوة لكل فرد منا في التأمل في تراثهم .