هل الشخص الكبير لا يزال محل تقدير؟
في تاريخ البشرية كثيراً ما نجد التقدير للشخص الكبير في مختلف الرسالات السماوية، والأديان، وحتى في الحضارات القديمة، فدائما ما يعطى المنزلة العالية، والتي يحصل معها على مكانة، وهيبة لا تحصل لأي فئة سنية من فئات المجتمع على اختلاف ثقافاتهم.
ولكن في هذا الزمان نرى تقلبات لم تبقي الحال على ما هو عليه، بل تبدلت مفاهيم وحقائق حول هذا الخلق النبيل عند الفرد وعند المجتمع، وأصبح الكبير مجرد رقم معين ينال شيئاً بسيطاً من الاهتمام، والمراعاة وفي بعض الجوانب من حياتنا لا أكثر.
وفي الحديث النبوي «الْخَيْرِ مَعَ أَكَابِرِكُمْ»، حيث فقد الكبير، رجلاً كان أو امرأة، الكثير من المكانة والمنزلة والقدسية التي كان يحظى بها، فهو صاحب القرار الأول بلا منازع، وأما الآن فقد تبدل الوضع، فلم تعد كلمته هي المسموعة، ولم يعد رأيه هو الفيصل في مختلف الأمور.
وفي حديث آخر «ذُو الشَّيْبَةِ لايُستَخَفُ بِه..» فقد كان الماضي هو الزمن الجميل الذي يحمل بين طياته عبق الحياة، وروح الحضور، وهمس البركة، ونفس الحكمة للكبير. حيث كان وجوده يبث في مجتمعنا عطر المكان، وخير الزمان بكلمة واحدة منه، بينما نجده الآن مركون في زاوية ضيقة لا حول له ولا قوة.
كذلك كان النبي يقول: «وَقَرُّوا الْكَبِير..» ولو تتبعنا بعض الصور، والنماذج لوجدناها مؤلمة مبكية من تهميش واضح لمكانة الكبير التي وضعها سبحانه له، فلم يعد يستشار في سواء زواج أو سفر أو مشكلة أو مشروع أو أي خطوة يريد أن يخطوها كل منا.
ولا ندري هل نعزي هذا الأمر إلى سوء الأخلاق أم بسبب انحسار القيم والمبادئ السامية عن السابق، فأصبحت المخالفة لهما أمراً طبيعياً، ولا يوجد من يستنكر عليهم ذلك، باعتبار أن الأبناء تطوروا علمياً وثقافياً، بينما الآباء أصبحوا متأخرين كما نرى في بعض المواقف هذه الأيام.
ولو جلست مع أحدهما أو كلاهما، لوجدته يعاني ويتعذب ويعيش الحسرة والألم على فقدهم الهيبة وفقد كل كبير المكانة الحقيقية له، وكيفية تعامل الأبناء والمجتمع معهم الآن مع عدم وجود التقدير والتبجيل الكافي لهم، وفي بعض الأحيان يساهم الكبير في ذلك لأسباب عديدة يصعب حصرها.
وللأسف، اتجه البعض لوضع الكبار في دار العجزة والمسنين، وفيها تجد آلام وقصص تنفطر لها القلوب ويندى لها الجبين. فوجودهم فيها يعد أكبر إقصاء وتهميش لمكانتهم ومنزلتهم التي وضعهم الله تعالى فيها، وقد دلت كثير من الآيات والأحاديث على ذلك.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، ولكن الأمر تعدى حدوده ووصل إلى الإهانة والإساءة والضرب والاعتداء، الأمر الذي سوف يؤدي بلا شك إلى غضب الله تعالى علينا ونقمته منا إن رضينا بذلك.
وفي إحصائية خاصة، تم النظر في 127 قضية رفعها الآباء ضد أبنائهم، 30 منها ضرب واعتداء وطرد وتلفظ عليهما وعدم زيارتهما أو الإنفاق عليهما مع الإيذاء لهما. وفي دول مجاورة يتعرض 120 ألف من الوالدين للعنف، ويموت منهم أكثر من 1000 شخص سنوياً.
وأما أهم الحلول تتلخص فيما يلي:
- العودة لتعاليم الدين، والخوف من الله فيهما.
- التربية الخاطئة التي ينشأ عليها بعض الأفراد.
- عدم التوعية بجهودهم الكبيرة التي ساهمت في إعداد الأجيال.
- السعي الدائم من أجل حمايتهم من كل اعتداء أو إيذاء.
- إيقاع العقوبة المناسبة في كل من ثبتت عليه هذا الجرم.
ورسالتنا الختامية.. علينا أن نذكر بعضنا بحق الكبير وما هي منزلته عند الله تعالى، وإعادتهم لمكانتهم الحقيقية بما فيهم، وعلى وجه الخصوص «مقام الوالدين».
والسلام خير ختام.