تعزيز ثقافة الشكر في المجتمع
عن الإمام علي بن موسى الرضا أنه قال: «من لم يشكر المنعم من المخلوقين، لم يشكر الله عز وجل».
التوجه إلى النعمة وشكرها منهجية ينبغي أن تكون في نفس الإنسان المؤمن، يهتدي إليها بفعله، ويلتزم بها بتعاليم دينه. أصل النعم من الله سبحانه وتعالى، فالشكر أولاً وأخيراً له، لكن بعض نعم الله تصل للإنسان بواسطة بعض عباده، تجري على أيديهم. فالله تعالى هو الذي أوجدك من العدم، لكن وجودك كان عبر والديك، لذلك عليك أن تشكر الله أولاً، وأن تشكر الوالدين ثانياً، باعتبارهما طريقاً لنعمة الوجود ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾ [لقمان: آية 14]، وهكذا كل من كان سبباً لوصول نعمة إليك لا بد أن توجه له الشكر.
الشكر في معناه الحقيقي هو الاستثمار الصحيح للنعمة، فلو كنت في ضيافة إنسان، وقدم لك طعاماً شهياً طيباً، ولم تحسن التصرف، وألقيته أمامه في القمامة، ماذا يعني؟ يعني إهانة لذلك الشخص. إن الله سبحانه وتعالى يعطيك هذه النعمة، حتى تضعها في المكان الصحيح، وتستثمرها بالشكل المناسب. فإذا أسرفت فيها، ووضعتها في المكان الخطأ، فإن ذلك يعني كفراً بالنعمة وجحوداً بها.
فقد ورد عن الإمام الصادق أنه قال: «كان رسول الله ﷺ إذا ورد عليه أمر يسره، قال: الحمد لله على هذه النعمة». وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب : «الشكر عصمة من الفتنة». لذلك أن يتوجه الإنسان إلى شكر النعمة يعصمه من الانحراف والفتنة في التعامل مع النعم. إن شكر النعمة يعني توظيفها بالاتجاه الصحيح. فالشكر ليس مجرد لفظ، الشكر يكون بالعمل وليس باللفظ فقط. يقول الإمام الصادق : «إن الله أنعم على قوم بالمواهب فلم يشكروا فصارت عليهم وبالاً».
إن النعم التي لا تشكر قد تتحول إلى وبال، فالإنسان الذي لا يعطيه الله تعالى مالاً، لأنه يعلم في ماذا سيصرفه، فإذا الإنسان رزقه مالاً وصرفه في المعاصي، هذه النعمة تتحول نقمة أو إلى وبال عليه، وهكذا في مختلف أنواع النعم.
أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يقول: «شكر المؤمن يظهر في عمله، وشكر المنافق لا يتجاوز لسانه». صحيح أن الشكر باللسان مطلوب، لكن لا يصح الاقتصار عليه. يقول أمير المؤمنين : «شكر كل نعمة الورع عما حرم الله». ويسأل أبو بصير الإمام الصادق يقول:
هل للشكر حد إذا فعله العبد كان شاكراً؟ قال: نعم.
قلت: ما هو؟
قال: «يحمد الله على كل نعمة عليه في أهل ومال، وإن كان فيما أنعم عليه في ماله حق أداه».
هذا هو الشكر الحقيقي الذي أشار إليه الإمام الصادق بقوله: «أدنى الشكر رؤية النعمة من الله». فالإنسان العاقل المنسجم مع فطرته، هو الذي يقدر أي إحسان يصل إليه من أحد، يشكر النعم حينما تأتيه من المخلوقين. هذا الفعل ينمي روح الإحسان عند الناس، لأن الناس يتأثرون بمواقف التقدير والشكر. فحينما يكون المجتمع في ظل ثقافة تقوم على أساس الشكر للمحسنين، فإن حالة العطاء والإحسان تنمو في المجتمع. لذلك علينا أن نشكر القائمين بالعمل التطوعي سواء في الجمعيات، أو على مستوى الأشخاص، مثلا القائمين على جمعية الفردوس لإكرام الموتى جزاهم الله خيرا، وغيرها من الجمعيات الخيرية. وما أحوجنا في مجتمعاتنا إلى أن يواجه من يعمل لخدمة المجتمع بالتنكر والجحود، فهذا يجعل الناس لا يقبلون على هذا الطريق، وهو العمل الخيري التطوعي الاجتماعي. لذلك ورد في الحديث عن الإمام الصادق أنه قال: «لعن الله قاطعي سبيل المعروف، قيل: وما قاطعي سبيل المعروف؟ قال: الرجل الذي يصنع إليه المعروف فيكفره فيمنع صاحبه من أن يصنع ذلك إلى غيره».
فإحسان الإنسان وشعوره له دور في تفاعله مع الوضع الذي يعيش فيه، لذلك حينما يأمرنا الله سبحانه وتعالى بأن نلتفت لنعمة ونشكرها، حتى نستحضر في نفوسنا أننا أمام نعمة كبيرة من الله سبحانه وتعالى.