لا تخشى تغيير أفكارك
نحن نتغير وفقًا لما تفرضه علينا الحياة من تطورات وتغيرات، فسابقًا يختلف عما نعيشه اليوم، وهذه طبيعة الحياة المتجذرة، أي التغيرات والتطورات والانتقال إلى مراحل مختلفة ليس أمرًا عارضًا بل ضروريًا. وكما يقول علي الوردي: ومن لا يساير الزمن داسه السائرون بأقدامهم. فالتغير الذي يطرأ علينا يفرض علينا أن نتعايش وفقًا للحاجة التي يسير بها الزمن. لذا التشبث فيما ألفه السابقون في ظروف حياة مختلفة عما نعيشه الآن لا يعني وقوفنا حاجزا أمام تقدمنا وتطورنا. فالبقاء في تلك الحقبة التي اعتادت أن تتصور الأشياء وفقًا للمفاهيم الذي كانت سائدة في محيطهم الاجتماعي يعيقنا من الانتقال إلى اللحظة الراهنة التي نحتاجها. لم يكن السابقون يملكون التقنيات الحديثة التي سهلت حياتنا بشكلٍ كبير. لذا قال أيضًا علي الوردي: الأفكار كالأسلحة تتبدل بتبدل الأيام. والذي يبقى على آرائه العتيقة هو كمن يريد أن يحارب الرشاش بسلاح عنترة بن شداد. ”فالحاجة لأن نكون أبناء زماننا ليست اعتباطية“.
كما أن الحياة فرضت علينا استخدام الوسائل الحديثة بما لها فائدة علينا، إذ علينا ألا نرتاب من الأفكار التي ليست متداولة بيننا أو خارج عن بيئتنا. فنحن نعيش اليوم في فضاء مفتوح يتيح لنا الكثير من الأفكار والسلوكيات. فالرفض المحض والقبول المحض كذلك ليس موقفًا عقلانيًا. والأفكار التي لم نألفها ليست بالضرورة شرًا، كما يصور البعض بأن الإيمان ببعض الأفكار يجردهم من هويتهم الأصيلة. وهذا مفهوم خاطئ. فالهوية ليست حاجزًا تجاه الأفكار الأخرى والانتقال إلى نمط الحياة الجديد، بل هي تتجدد وتتفاعل نتيجةً لواقع الحياة المتاح. فالهوية قابلة للاستجابة تجاه احتياجات الإنسان. فالانتقال إلى ما يسمى «الحداثة» لا يعني الخروج من دائرة الدين كما يعتقد البعض، بل ضرورة واقعية. ولا يعني أن نستنسخ نموذج الحداثة الغربي، وحتى إن كان الأصل في إبداع هذا المفهوم، لكن لا يعني التغافل عن نتاجهم الفكري الغزير.
يتوجب إذًا تفريغ وتفكيك المقولات والأفكار التي تحاول تقدم نفسها على أنها الوسيلة التي يقف عندها الفرد ولا يستطيع تجاوزها. إذ ينبغي أن يكون للنقد دور هام في تعرية هذه الأفكار من العباءة التي ترتديها. فالقول بأن الأفكار التي ألفها الفرد من وسطه الاجتماعي مسلمات هو قول واهم. وتتطلب الحاجة لمجابهة تلك الأفكار التي تقدم نفسها كفكر لا يسهل تجاوزه. وأتصور بأن اللجوء لربط الأفكار بوصفها مسلمات حيلة يرتاد منها إلغاء الآراء الأخرى المناقضة لذات الفكر. ولا يعني القول بعدم وجود أفكار مسَّلم بها، لكن كثيراً من الأفكار ارتبطت بكونها مسلمات ويقينيات وثوابت وهي خلاف ذلك. يقول توفيق السيف في كتابه الحداثة كحاجة دينية: إن تحدي المسلمات التي توافق عليها المجتمع ليست مهمة سهلة على الفرد. وهذا الأمر ليس بالغريب. الغريب أن لا يفكر أحد بالأسباب التي حولت تلك الأشياء إلى مسلمات لا يخالفها أحد. والأغرب منه أن أحدا لا يتوقف عندها، ليتأمل في عواقب التسليم بها، وجعلها متعالية على النقد أو حتى مجرد التفكير والتحليل.