آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 12:36 ص

هل أوضاعنا الحالية مشابهة لعصور الظلام؟

محمد حسين آل هويدي *

بسم الله الرحمن الرحيم ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه: آية 124].

نترك إجابة السؤال لك أيها القارئ الكريم. نحن سنشرح لك أوضاع القرون الوسطى، وأنت صاحب الحكم. تذكر أن الولايات المتحدة الأمريكية، في عام 1977، أطلقت مسبارين فضائيين (فويجر 1 وفويجر 2) اللذين تخطيا حدود المجموعة الشمسية، طالع شكل 1 من (Anonymous, Mission Overview). وقبل إطلاق هذين المسبارين، مشى الإنسان على سطح القمر في منتصف 1969 (Anonymous, July 20,1969: One Giant Leap For Mankind, 2019). ولكن تخيل، أننا، ولهذه اللحظة، لم نضبط أمور دخول الشهر القمري! وهذا الأمر يذكرني بطبيب شعبي أو عطار يحاول أن يفتي في القلب وهو لا يعرف آليته! وفي مثل هذا الأمر علق برتراند راسل: ”لا يمكن أن يسمى معرفة المعتقد الصادق إذا كان قد استنبط باستدلال خاطئ، ولو كانت المقدمات التي استنتج منها صائبة“. ورجوعا للمنطق الصوري لأرسطو، راسل يميز بين الصواب (True) والحقيقة (Fact) بحيث يقول إنه ليس بالضرورة أن يكون الأمر صوابا ليصير حقيقة، وفي ذلك يقول: ”العقول لا تخلق الصواب أو الخطأ، بل تخلق المعتقدات“. أي أن المعتقدات تتجاوز الصواب والخطأ ولا يمكن إثباتها منطقيا (راسل، مشكلات الفلسفة، 2022). وحينئذ أسس لنظرية ”الأوصاف المنطقية“، والتي كان هدفها ”تمييز الصور المنطقية عن الصور النحوية وإبعاد الكيانات الزائفة التي لا يستطيع النحو إثبات زيفها“ (راسل، مقدمة إلى فلسفة الرياضيات، 2020). كما أن راسل يرفض أن يكون برهان الشيء من داخله. كما أنه صرح بأن قواعد اللغة البشرية ليست منطقية وأنها قد تؤدي إلى ضلال. أي أن اللغة لا تستخدم لاستنباط أو استقراء النتائج، ومنها يسقط كل علم يعتمد على اللغة.

قدم الأستاذ عبدالحفيظ العمري كتاب (راسل، مقدمة إلى فلسفة الرياضيات، 2020) في 38 صفحة تحت عنوان ”رحلة المنطق وعلاقته بالرياضيات من أرسطو حتى راسل“. وربما تكون هذه المقدمة أجمل ما في الكتاب. ويقول عاشت أوروبا القرون الوسطى من بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية (أبان القرن الخامس الميلادي) إلى القرن السادس عشر. ويشرح كتاب (هارين، 2024) بعض تلك الظروف، قبل وبعد. كما نسف برتراند راسل فلسفة كانط وهيجل الصورية في كتابه (راسل، مشكلات الفلسفة، 2022)، أي أن الاعتماد على الميتافيزيقيا واستخدامها لدحض العلم يستند على هراء يُرْمَى في الغالب على مسلمات مفقودة من الوجود، حيث يقول: ”ولا شك أن الرغبة في الوصول إلى أسباب تبرر الاعتقاد [ليس بالضرورة ديني] بمثل هذه الآراء كانت الباعث لكثير من طلاب الفلسفة إلى بذل جهود مضنية دائبة، وعندي أن هذه الرغبة هي من التمنيات الخاوية. لك أن المعرفة التي تتناول الكون بجملته، كما يبدو، لا يمكن الوصول إليها عن طريق الميتافيزيقا“.

هيمنة المنطق الصوري لأرسطو في القرون الوسطى أدى ليس فقط إلى نكوص، ولكن إلى تخلف وضلال. عاملت أوروبا القرون الوسطى أرسطو على أنه معصوم إذ تبنت الكنيسة موقفه ومنطقه لدرجة أن الخروج عن رأي أرسطو يخرج المؤمن عن تعاليم المسيحية، والسبب في ذلك أن الكنيسة استخدمت منطق أرسطو بتسخير العقول والمواهب لخدمة العقيدة، بعيدا عن البعد المادي للكون. وبسبب تعنت الكنيسة تم حرق العالم الإيطالي، برونو، حيا. كما أنها وضعت كوبرنيكوس تحت الإقامة الجبرية ومنعته من التصريح بأقواله (وما أشبه اليوم بالأمس)، وهددت بحرق أم جاليليو إن لم يسحب أقواله.

ما يشابه أوضاعنا مجافاة المنطق الاستقرائي الذي تعتمد عليه العلوم الحديثة، وكذلك عصمة الرجال واعتماد أقوالهم وأخذ الحق منهم بدون فحص أو تفكر أو عرض على العقل والمنطق، ولا كأن الإمام علي قال: يعرف الرجال بالحق ولا يعرف الحق بالرجال. ومن خلال هذه العصمة، لا يمكن القفز على أقوالهم، حتى ولو عاشوا قبل ألف سنة في ظروف مختلفة تماما عن الظروف التي نعيشها اليوم، إذ تتم الاستعانة بالذكاء الاصطناعي في القضاء والقانون والطب والعلوم، ونحن لا نزال نعتمد على كتب أربعة مضت عليها القرون إذ تصرمت. ودليل خطأ هؤلاء الرجال الذين أوليناهم العصمة أنهم، ولغاية اللحظة، عاجزون عن ضبط أبسط ما في الكون - دخول الشهر القمري، والذي حسبه، بأدوات بدائية، من قبل البابليون وقدماء المصريين وحضارات الأزتك والإنكا والمايا في أمريكا اللاتينية قبل الميلاد بقرون طوت.


References

Anonymous. (2019,07 20). July 20,1969: One Giant Leap For Mankind. Retrieved 11 13,2023, from NASA: https://www.nasa.gov/history/july-20-1969-one-giant-leap-for-mankind

Anonymous. (n.d.). Mission Overview. Retrieved 11 13,2023, from NASA: https://voyager.jpl.nasa.gov/mission

Avoiding Psychological Bias in Decision Making: How to Make Objective Decisions. (n.d.). Retrieved 07 01,2021, from Mind Tools: https://www.mindtools.com/pages/article/avoiding-psychological-bias.htm

Bergmann, M, Moor, J, & Nelson, J. (2014). The Logic Book (sixth ed.). McGraw-Hill.

Hayden, G. (2016). What is Philosophy? England: Sterling Publishing.

Quertemont, E. (2011). HOW TO STATISTICALLY SHOW THE ABSENCE OF AN EFFECT. Psychologica Belgica, 51 (2,109-127. doi: http://dx.doi.org/10,5334/pb-51-2-109

Templeton, A, Drury, J, & Philippides, A. (2018). Walking together: behavioural signatures of psychological crowds. Royal Society Open Science, 5 (180172,1-14. doi: 10,1098/rsos.180172

راس، ب. (2020). مقدمة إلى فلسفة الرياضيات. (أ. س. سع، Trans.) القاهر، جمهورية مصر العربية: آفاق للنشر. Retrieved 11 13,2023

راس، ب. (2022). مشكلات الفلسفة. (م. عبدالكري، Trans.) القاهر، جمهورية مصر العربية: مكتبة التقوى. Retrieved 04 27,2023

هاري، ج. (2024). بيزنطة: الحياة المدهشة لإمبراطورية قروسطية. (ا. م. بوخمسي، Trans.) بيرو، لبنان: المركز الأكاديمي للأبحاث. Retrieved 10 01,2023
سيهات - دكتوراه في علوم الحوسبة و باحث وكاتب مستقل