آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:36 ص

الخطوط العريضة لنهج الإمام العسكري (ع)

السيد فاضل علوي آل درويش

العمر المبارك والعمل المثمر والجهد التبليغي من أجلى مصاديقه ما قام به الإمام الحسن العسكري في سبيل رعاية وهداية الناس نحو الحق والفضيلة، وأثرى الساحة العلمية بتلك المعارف والأجوبة الشافية على الشبهات المطروحة في زمانه، فوقى الناس من فتنة الاشتباه والضلال مما طرح من شبهات وإشكالات على المستوى العقائدي والقرآني، ففي وقت تشعبت فيه الأطروحات والاتجاهات الفكرية برزت آراء من مفكرين وعلماء، كانت ستسبب افتتانا عند الناس لحيرتهم في جوابها وحلها لولا وجود الإمام العسكري وتقديمه فصل الخطاب والجواب الشافي، وبذلك مثل الإمام المرجعية الرشيدة لهداية الناس وقيادتهم نحو الحق والفضيلة، فبذل جهده لتقديم كل ما يحتاجه الناس في كل الأبعاد الدينية والفكرية والاجتماعية، فما أحوجنا لرسم معالم نهج الحياة الخالد والنهج الأخلاقي المورث للاستقامة والثبات، إلى مطالعة سيرة الإمام العسكري وما ورد عنه من كنوز الحكمة قراءة تدبر واستنتاج واستخلاص للدروس والعبر، فتطلعنا إلى الاتصاف بالشخصية التكاملية رفيعة الشأن يحتاج إلى بناء معرفي وسلوكي، وهذا ما نجده جليا ومتجسدا في كلمات ومواقف الإمام العسكري ، فإنه من نقص الحظ والبوء بالانتكاسة الروحية والمعرفية أن نتدارى ونتجنب قبس الهدى وضياء الفيض من معالم مدرسة الإمام العسكري الصانعة للشخصيات القوية.

القوة والاقتدار في السير بخطى ثابتة ووازنة في ميادين الحياة ومجال التبليغ الرسالي يتمثل بما قام به الإمام العسكري في سبيل انتشال الناس من ظلمات الجهل والحيرة، وتوعيتهم بدورهم الوظيفي المناط بهم في الحياة والمتناسب مع مقام التكريم الذي أفاضه الباري عز وجل عليهم، فلم تكن الظروف القاسية التي مر بها الإمام بالتي تثنيه عن دوره الرسالي أو أن تصيبه بالتعاجز والتخاذل - حاشاه -، بل خاض بكل ما أوتي من قوة جنان هذا الدور ومارس دوره الإرشادي للإجابة عن مسائل الناس من خلال ما يصله من وكلائه الثقاة، وهكذا تخطى الإمام فكرة تغييبه عن الساحة العلمية والفكرية والدينية من خلال نظام التواصل مع قواعده ومحبيه عن طريق الوكلاء «العلماء الثقاة الذين نصبهم في مختلف البلدان»، وهكذا أثبت الإمام مجددا قربه من الناس وتلمسه لحاجاتهم وشئونهم الشرعية والاجتماعية والاقتصادية والارتباط معهم بتشخيصه للوظيفة الشرعية الملقاة على الفرد فيما أشكل عليه وغاب عنه جوابه، فتلك الزوبعات الفكرية والشبهات العقائدية تلاشى دورها السلبي بإلقاء الحيرة والفتنة بين الناس، فقد أوضح الإمام الموقف الصائب في التعامل مع تلك الشبهات من خلال تقديم الأجوبة المفندة لها، ومن خلال تصديه المباشر للإجابة عليها والإيعاز إلى وكلائه والعلماء من تلامذته بتبليغ تلك الإجابات النيرة للمؤمنين.

كما أن الإمام العسكري وضع الخطوط العريضة للمنهج الأخلاقي والتربوي المهذب للنفوس من شوائب الأهواء وتحكم الغرائز المتفلتة في خطوات وتصرفات الإنسان، فهذه كلماته وتوجيهاته تصب في طريق تعزيز القيم والفضيلة في النفوس واتصافهم بالخصال الحميدة، والتي تعزز حالة الرقي والسمو الأخلاقي عند أفراد المجتمع والذي ينعكس بحالة إيجابية في تآزر وتعاضد الناس؛ ليشكلوا جدارية منيعة وقوية من الثقة والتعاون والعمل المشترك في كل ما يصب في مصلحة الناس وإصلاح أحوالهم وقضاء حوائجهم وتوحيد صفوفهم.

كما أن الإمام العسكري كان مهتما بالشأن الاقتصادي وحاجة الفقراء المتعففين لتوفير مستلزمات الحياة الكريمة، فوجه الوكلاء بمتابعة هذا الأمر وتلمس حاجات الناس وتفقد أحوالهم المالية من أجل إيصال المساعدات المالية لهم، وبذلك سد الإمام بابا قويا للانحراف والإجرام واضطراب الشأن الداخلي للمجتمع، وذلك أن وطأة الفقر ستولد مشاعر الكراهية عند الفقراء وهم يرون الأغنياء يتنعمون بأموالهم وحالهم الميسور دون أن يديروا بالا لحالهم البائس، وقد تؤدي هذه الأفكار والأحاسيس الشيطانية إلى الاتجاه للسلب والنهب.