للفقراء فقط
قال لي هذا مبلغ من المال لصالح الجمعية على ان يصرف للفقراء وأضاف «ولا تصرفوا منه شيئأ على رواتب ومكاتب وسيارات». قلت له جزاك الله خيرا ثم أضفت في نفسي «لو كان كل المتبرعين مثلك لأغلقت الجمعية أبوابها»..كنت في حديث مرة مع أحد قيادات العمل الخيري حيث كان يقول أن التبرعات العامة في الجمعية يجب أن لا تنفق على الحاجات الادارية للجمعية لأن الناس تبرعوا بها للفقراء …قلت ومن أين نأتي برواتب الموظفين؟ …نحن هنا أمام قصور في فهم عمل الجمعيات وطبيعته. فهم يجعل من الصرف على شؤون الجمعية مضيعة للمال وفي الحد الأدني أمرا غير «خيري». سأحاول في السطور التالية توضيح اللبس.
نحن في القرن الحادي والعشرين حيث يشهد العالم أهمية العمل المؤسسي الخيري ليس فقط للحاجات الإغاثية ولكن لحاجات المجتمع الأخرى الصحية والبيئية والثقافية وينفق على إقامة تلك المؤسسات وتشغيلها الكثير من المال من أجل تحقيق أهدافها. تحتاج إلى المال لتدفع رواتب موظفيها وأجرة مقرها إن كانت مستأجرة وفواتير خدماتها من كهرباء وماء وهاتف ومكاتبها وأجهزة المكاتب وما شابه ذلك.
ومن أجل أن ندرك حجم هذا القصور في الفهم لدى البعض، دعنا نتذكر أن التشريع الحكيم عندما نزل قبل أربعة عشر قرنا جعل للقائمين علي جمع الزكاة سهما منها مع سهام الفقراء واليتامى والمساكين. هذا في الزكاة الواجبة فكيف يستكثر بعضهم اليوم أن يصرف على شؤون الجمعيات من التبرعات العامة وقد تشعبت نشاطات الجمعيات وكثرت مشاريعها ونمت ميزانياتها وكثر موظفوها؟
بل ليعلم الذي قيد تبرعاته في مصرف محدد من مصارف الخير …ليعلم أن جزءا من التبرعات العامة سيقتطع لإدارة تبرعه «في الصرف على الباحث الاجتماعي وعلى المحاسب وعلى الإداري وعلى البنية التحتية التي تحملهم». لست ضد أن يقيد المتبرع تبرعه على مصرف محدد فهذا حقه والجمعيات تحترم هذه القيود وهي ملتزمة بذلك شرعا ونظاما وتوضح ذلك في تقاريرها المالية …لكن حتى يعلم الجميع ان التبرع غير المقيد «التبرع العام» هو عصب حياة الجمعية وبه تتحرك وتنفذ خططها وتتوسع وتستجيب للحاجات المستجدة والطارئة..أما إذا أكثرنا القيود على ما نتبرع به فإننا نقيد الجمعية ونضيق المساحة التي تتحرك وتبدع فيها.
بالطبع من واجب الجمعيات أن تبرهن على حرصها على هذه التبرعات العامة وعلى مهارتها في ادارتها وعلى كفائتها في انفاقها. ومن حق المتبرع أن يتابع ذلك ويتوثق من سلامة الأداء. وللعلم فإن الأنظمة تفرض على الجمعيات ضوابط في ما تستطيع صرفه على شؤونها الإدارية فقد حددت معايير السلامة المالية نسبة لا تزيد عن 15٪ من مجموع االمصاريف للمصاريف الإدارية وهي مطالبة بالاتزام بذلك وهذه نسبة مقاربة للنسب العالمية في المنظمات الخيرية. أي ان كل 100 ريال من التبرعات العامة يجب الا يزيد ما يصرف منها على الشؤون الإدارية عن 15 ريال.
اذن يجب ان يتجه الجهد إلى رفع كفاءة الجمعيات الخيرية في الإنفاق وإلى تعزيز الثقة بين إدارة الجمعيات والمجتمع من خلال زيادة الشفافية ورفع مستوى المشاركة المجتمعية واتخاذ القرارات المالية والاستثمارية الصحيحة …ومع رفع منسوب هذه الثقة سيشعر المتبرع برغبة أقل في التخصيص والتقييد وترك مساحة أكبر لإدارة الجمعية لاختيار المصرف المناسب حسب ما تتطلبه حاجة المجتمع والظروف المالية للجمعية.