آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

تربية أم تعليم؟

نضال حسين آل مسيري *

ذات يوم دخلت الصف وبدأت في استعراض أهداف درسي كما هو حال كل يوم وحصة، بدأت بعمل عصف ذهني للطلاب حول موضوع الدرس، وكان أحد الطلاب أمامي سألته أجب يا حسن؟

نظر لي وعينه تشتط غضباً، وكان في حالة ارتباك وعدم اتزان... دار بيننا حوار ماذا بك يا حسن؟

حسن لا شيء..

وهو يتكلم بنبرة قاسية وصوت مرتفع قلت له حسناً، أكملت الدرس وببالي أن وضعه غير طبيعي في اليوم الثاني دخلت نفس الصف، وتكرر معي نفس السيناريو.. هنا وقفت في تأمل، وجلست أراقب تصرفاته في الصف وأثناء تواجدي في المناوبة اليومية وعلاقته مع زملائه، فوجدته منطوياً على نفسه مهموماً.

استدعيته وسألته هل تسمح لي بأن يكون بيننا حوار بسيط قال تفضل!

قلت هل لديك مشكلة يمكنني أن أساعدك فيها لأني أراك مهمومًا وعصبيًا ولست على ما يرام؟

قال لا لا يوجد شيء، وأحسست أنه يريد إنهاء الحوار والانصراف.

قلت حسن أنا أنتظرك أي وقت تحب أن أساعدك في أي مشكلة تواجهها وانصرف.

بعد ثلاثة أيام وأنا في غرفة المعلمين استأذن حسن للدخول، وقال هل تسمح يا أستاذ؟

قلت تفضل... خرجت معه إلى فناء المدرسة ونحن نتجول وقلت ماذا بك؟

قال أستاذ لدي مشكلة عائلية تؤرقني وبدأ بشرح حيثياتها وأنه عازم على ارتكاب أمر خطير من تأثير الضغط الواقع عليه.

جلسنا نتحاور في الطرق المثلى لحل هذه المشكلة وكيفية تلافي أن يقع في مشكلة أكبر.

وعدني خيراً ووعد بتنفيذ ما نصحته به

نصحتهُ ببعض التوجيهات من ضبط غضبه والتحلي بالصبر، وأن المشاكل تحل بالحوار والعقلانية، وأن الموضوع سوف يحل بعون الله.

كان يتواصل معي عبر الواتساب وكنت أطمئن على وضعه، كان حسن في الصف الثالث الثانوي، وكانت نهاية الاختبارات نجح حسن، وكان آخر تواصله معي عبر الواتساب في استشارة ما هي التخصصات التي يمكن أن يلتحق بها في الجامعة، فأعطيته بعض الدورات التخصصية التي تقام كبرنامج ”مستقبلي“.

كانت رسائل التواصل تصلني في المناسبات منه، وكنت أثمن تواصله واهتمامه إلى أن أصبح معلماً، وهذا الخبر أسعدني لأن وصل لهذه المرحلة وشق طريقه في الحياة.

إن العملية التعليمية ليست مادة عملية فقط، فمع وسائل التواصل الحديثة أصبحت المعلومات والمعارف متوفرة في كل مكان.

والمعلومات هي من تصل للمتعلم الذي يبحث عنها ولكني أعتقد أن التربية ومراعاة الجانب النفسي والتربوي هي عملية مكملة ومهمة أيضًا؛ لأن الكثير من حالات التعثر الدراسي هي نتاج لعوامل اجتماعية وأسرية ونفسية ومرضية.

فيجب على المعلم مراعاة هذه الجوانب، والتي لها دور كبير في احتضان الشباب ومحاولة إعادتهم للطريق السوي عبر ملاحظة تفاعلهم وسلوكهم في الصف.

ما دعاني لكتابة هذا المقال هو أنه زارني هذا الأسبوع، وجلسنا سويا نتحدث عن أهم خططه المستقبلية وبعض همومه الحياتية. وهذا ما بث بي روح الحماسة لنقل هذه التجربة لكم.

همسة لإخواني المعلمين والمعلمات، نحن نتعامل مع فئة عمرية حساسة ربما بتعامل بسيط وتفهم أكبر. بذلك يمكن أن نحمي طالبا من أن يكون في خط الجريمة أو راعياً للأفكار المنحرفة الفكرية أو السياسية أو الدينية أو متعاطي للمخدرات. فالجدار النفسي والأمن الفكري مازال متواضعاً. والخبرات الحياتية في فن التعامل مع المشكلات قليلة.

فلنكن عوناً لهم ليكونوا جيل المستقبل الحريص على دينه ووطنه ومستقبله.

مهمتنا كمعلمين أكبر من مادة علمية فالتربية هي أساس التعليم.

باحث بأمن المعلومات - معلم بالمرحلة الثانوية - المشرف العام لبوابة تاروت الإلكترونية