الحفاظ على التنوع البيولوجي الساحلي والدور الحاسم لزراعة أشجار المانقروف
«Preserving Coastal Biodiversity: The Crucial Role of Mangrove Tree Planting»
قد يتساءل الكثير من قراء مقالاتي البيئية عن سر تركيزي على الاهتمام بهذه الشجرة والانفراد والإصرار على بيان ما لهذه الشجرة من فوائد بيئية وصحية واقتصادية والتي تتمنى الكثير من الدول حول العالم أن تكون بيئتها مناسبة لزراعتها على طول سواحلها والتي أسميها أنا ”شجرة الحياة“ وهي كذلك شجرة حياة لمئات الأحياء البحرية والطيور وكذلك الإنسان.
هذه الشجرة التي كانت تعشعش على السواحل الشرقية من المملكة العربية السعودية على مساحات شاسعة وبالملايين وعلى مد البصر وبالأخص ”خليج تاروت“. تمتد من صفوى شمالا مرورا بالقطيف، تاروت، عنك وانتهاء بالدمام جنوبا فتملا القلب بهجة، والجو نقاء والطبيعة بهاء والبحر حياة. أتعلمون ماهي انها شجرة القرم «المانغروف، الشورى» أيها الأحبة. الشجرة التي كانت تتكاثر وتتكاثر وتتكاثر بطبيعتها لحفظ النوع على مدى مئات السنين بل الآلاف ربما حتى جئنا وجاءت اجيالنا وخلال نصف قرن من الزمان «50 سنة» دمرنا 90% منها بسبب جهلنا، سوء تخطيطنا، طمعنا، جورنا، وعدم قيام الهيئات البيئية وكذلك المؤسسات المجتمعية والتطوعية بدورها مما يقرع جرس انذار للأجيال القادمة ان لم تقم بدورها واحياءها من جديد.
تصوير: صادق علي القطري «خليج تاروت، يناير 18,2022 م». صورة تبين مدى الدمار الذي لحق بهذه الشجرة في خليج تاروت
لقد كتبت الكثير من المقالات التوعوية والمقالات التي تظهر أهمية وفوائد هذه الشجرة والمقالات التي تعطي بعض الأفكار لأحياء هذه الغابات واعادتها أفضل مما كانت وبتظافر الجميع.
لا شك ولا ريب ان هناك جهود تبدل على اعلى المستويات في الوقت الحالي لإعادة ما دمر خلال النصف القرن الماضي لاسيما بعد إطلاق ”مبادرة السعودية الخضراء“ الطموحة من قبل صاحب السمو ولي العهد محمد بن سلمان حفظة الله ورعاه والتي سترسم توجه المملكة في حماية الأرض والطبيعة ووضعها في خارطة طريق ذات معالم واضحة وطموحة.
هذه المبادرة الطموحة والتي توجه السعودية والمنطقة في حماية الأرض والطبيعة ووضعها في خارطة طريق ذات معالم واضحة وطموحة، والإسهام بشكل قوي في تحقيق المستهدفات العالمية.
”مبادرة السعودية الخضراء“ والتي تهدف الى:
• رفع الغطاء النباتي
• تقليل انبعاثات الكربون
• مكافحة التلوث وتدهور الأراضي
• الحفاظ على الحياة البحرية
أبرز طموحات هذه المبادرة:
• زراعة 10 مليارات شجرة داخل السعودية
• إعادة تأهيل نحو 40 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة
• زيادة في المساحة المغطاة بالأشجار الحالية إلى 12 ضعفًا
• إسهام السعودية بأكثر من 4% في تحقيق مستهدفات المبادرة العالمية للحد من تدهور الأراضي والموائل الفطرية
• 1% من المستهدف العالمي لزراعة تريليون شجرة
• رفع نسبة المناطق المحمية إلى أكثر من 30% من مساحة أراضيها التي تقدر ب ”600“ ألف كيلومتر مربع
• السعودية تتجاوز المستهدف العالمي الحالي بحماية 17% من أراضي كل دولة
”ولتحقيق مبادرة ولي العهد الطموحة والواعدة على جميع من يهمه الامر من محافظة وهيئات بيئية وتطوعية ومؤسسات مدنية القيام بواجباتها والعمل الدؤوب لتحقيق هذه الرؤية“.
في مقالاتي السابقة طرحت الكثير من الأفكار لأحياء وترميم ما دمرناه من هذه الغابات التي لا تقل أهميتها عن الغابات المطيرة وغابات الامازون بل قد تفوق عليها في الكثير من المزايا وأثرها على التوازن البيئي ونظرًا لأن هذه الاشجار تعيش حيث تتصل الأرض والبحر، فإن إحدى أهم وظائف النظام الإيكولوجي الخاصة بها هي حماية الأول والعمل كخط دفاع أمامي للأشخاص والممتلكات على طول السواحل.
هناك العديد من أنواع المانغروف، وأكثرها شهرة تتميز بجذورها الطويلة، النحيفة، الشبيهة بالركود، وتسمى جذور الدعامة. تنمو هذه الجذور في شكل ”تشابك“ يساعد الأشجار في الواقع على تحمل الارتفاع والانخفاض اليومي للمد والجزر وان ا هياكلها ”تتسبب في استقرار الرواسب خارج الماء“، وتسقط على الجذور أو بالقرب منها أن الجذور ”تبني القاع الموحل“ بالقرب من قاعدة الأشجار، مما يؤدي في الواقع إلى استقرار الخط الساحلي عن طريق الحد من التعرية الناجمة عن هبوب العواصف والتيارات والأمواج والمد والجزر.
ان أشجار المانغروف تمنع ما يقدر بنحو 50 مليار دولار من الأضرار السنوية التي تلحق فقط على الاقتصاد الأمريكي من الأعاصير والعواصف الاستوائية والرياح والفيضانات. وقدر نفس التقرير الصادر من الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي «ِNOAA» أن أشجار المانغروف في جميع أنحاء العالم تقلل من المخاطر الاقتصادية التي تطال أكثر من 15 مليون شخص وتمنع أكثر من 65 مليار دولار من الأضرار والخسائر التي تلحق بالممتلكات كل عام.
تعمل أشجار المانغروف أيضًا على حماية الموائل البحرية من العناصر الغذائية الضارة والجريان السطحي الذي يمكن أن يضر بالأعشاب البحرية والشعاب المرجانية ومصايد الأسماك. وفي تقرير آخر صادر من نفس الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي «NOAA» أن الجذور تساعد في تنقية المياه القادمة من الأرض، بما في ذلك الملوثات والمعادن الثقيلة والمبيدات الحشرية والجريان السطحي الزراعي. ولذلك فإن أشجار المانغروف تحافظ على جودة المياه ونقاءها. كما أنها تتحكم في توزيع المغذيات على أعشاب البحر والشعاب المرجانية. بدون مرشحات طبيعية مثل أشجار المانغروف، يمكن أن تتكاثر الظروف الخطرة مثل المد الأحمر والسرجسوم وتكاثر الطحالب.
كذلك تدعم غابات المانغروف أعداد الحيوانات والأسماك. توفر أنظمة الجذر المعقدة موائل حضانة حرجة للعديد من الكائنات البحرية، مما يتيح لها العلف والنمو بينما تظل محمية من الحيوانات المفترسة. أفادت سميثسونيان أوشن أن الأوراق، أو طبقة التحلل الغنية بالمغذيات التي تشكلها بين الجذور، تعمل ”كأساس لشبكة الغذاء الساحلية“. وقالت المؤسسة الأوقيانوغرافية إن كل شيء من أسماك القرش الصغيرة إلى الكركند والروبيان يعيش في الجذور أو بالقرب منها قبل الهجرة إلى الشعاب المرجانية. بالإضافة إلى ان الطيور المهددة بالانقراض، وحتى الخفافيش واليراعات وحتى نمور البنغال الملكية على غابات المانغروف في الغذاء والبقاء على قيد الحياة.
أخيرًا، وبشكل حاسم، تعمل أشجار المانغروف بمثابة ”حوض للكربون الأزرق“، مما يعني أنها ممتازة في امتصاص وتخزين الكربون من الغلاف الجوي، وفقًا لما ذكرته مؤسسة سميثسونيان أوشن. مثل جميع الأشجار، فإنها تحبس الكربون أثناء نموها وتحويله إلى أوراقها وجذورها وأغصانها. ومع ذلك، لأن غابات المانغروف تعيش على الساحل، وعندما تموت، فإن الكربون المخزن في قطعها يسقط في قاع البحر ويصبح مدفونًا في التربة فهدة الأشجار تلتقط كميات هائلة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وغازات الاحتباس الحراري الأخرى من الغلاف الجوي، ثم تحبسها وتخزنها في تربتها الغنية بالكربون لآلاف السنين. هذه خدمة بيئية مهمة ونحن نواجه تغير المناخ. يُعرف هذا الكربون المدفون باسم ”الكربون الأزرق“ لأنه يتم تخزينه تحت الماء في النظم البيئية الساحلية مثل غابات المانغروف وأحواض الأعشاب البحرية والمستنقعات المالحة.
قدر هاردن أن مستودع ثاني أكسيد الكربون هذا يحتوي على ما يصل إلى أربعة أضعاف ما يمكن للغابات المطيرة أن تحمله، مما يجعل بقاءها أمرًا ضروريًا لبقاء الكوكب على قيد الحياة في مواجهة أزمة المناخ.
ولهذه الأسباب التي ذكرتها والكثير التي لم اتطرق لها، كان علينا لزاما ان نقوم بواجبنا افرادا ومؤسسات وهيئات رسمية لحماية هده الغابات للحفاظ على التنوع البئي وحماية كوكبنا من التلوث ونساعد من التقليل من الاحتباس الحراري كي نتنفس هواء نقي ونحمي شواطئنا من الكوارث الطبيعية والأعاصير وحماية الممتلكات.
مصدر الصورة: https://www.mangrovealliance.org
من الأفكار التي طرحتها في احدى مقالاتي السابقة إقامة مهرجان سنوي لتكريم هذه الشجرة واقترحت اسم ”مهرجان شجرة القرم السنوي - Annual Mangrove Festival“ حيث يكون هذا المهرجان بمباركة الجهات الحكومية ممثلة في محافظة القطيف وبدعم من وزارة الزراعة والثروة السمكية واقترحت ان يقام هدا المهرجان بشكل سنوي حيث يمتد على مدى ثلاثة أشهر وهو من بداية شهر اغسطس إلى نهاية شهر أكتوبر ففي هذه الأشهر تكون بذور هذه الشجر قد اكتملت ونضجت وأصبحت صالحة للزراعة.
والاهداف المقترحة لهذا المهرجان على سبيل المثال لا الحصر:
• القاء الضوء على أهمية هذه الشجرة المباركة وبث روح التوعية في المجتمع من خلال وسائل الاعلام المقروءة والمسموعة وعبر المواقع الاجتماعية.
• التركيز على حماية البيئة البحرية.
• إعادة استزراع هذه الشجرة وتوسيع مساحتها وذلك بالقيام بجمع البذور والشتلات وإعادة زراعتها ويكون ذلك بأشراف خبراء زراعيين ومتخصصين بيئيين فنكون بذلك قد ساعدنا الاكثار من اعدادها وزيادة مساحتها وبذلك نكون قد اسهمنا ولو بالقليل اليسير لإعادة التوازن البيئي ومساعدة الأسماك والاحياء البحرية لتفقيس بيضها عند جذوره وكذلك مساعدة الطيور على بناء اعشاشها وتكاثرها.
• احياء العمل التطوعي على جميع المستويات بمشاركة جميع أطياف المجتمع بدءا من الأطفال في المراحل الأولى إلى الكبار رجالا ونساء فبذلك نبث ثقافة المحافظة على البيئة ونجعلها عادة مجتمعة سنوية وهذا ما يتطابق مع رؤية صاحب السمو ولي العهد 2030.
ومع تبني مثل هده الأفكار يستكون له الكثير من الإيجابيات منها الاقتصادية والبيئية والسياحية منها:
1. تنشيط الحركة السياحية في المنطقة واحياء بعض الألعاب التراثية التي تتعلق بالبحر مثل لعبة ”الدوخلة“
2. استحداث الكثير من الفرص الوظيفية لبعض العاطلين
3. تنشيط الاقتصاد المحلي
4. استحداث الكثير من المهن المحلية
5. تشجيع المناطق الأخرى من المملكة والي توجد بها هذه الشجرة للحدو حدونا وإقامة مهرجانات مماثلة
مصدر الصورة: https://khlijm.com
ومن الأفكار الجميلة التي تحولت إلى مشاريع ناجحة مناحل أشجار القرم والتي بدأها وكان من روادها ”علي بن عبد العزيز العلي“ فكان اول من انشا هذا النوع من المناحل في منطقتنا حيث انه بدا بتربية النحل بدوام جزئي وخبرة 35 عام في هذا المجال، ومن هدا المشروع الصغير بدات مناحل أشجار المانغروف بالانتشار حيث بدأت من تاروت وسيهات وصفوى وبذات تؤتي اكلها من الإنتاج الوفير والنوعية الممتازة فبحسب بيانات الهيئة العامة للإحصاء انتجت المنطقة الشرقية 6,25٪ من العسل المصنوع في المملكة العربية السعودية. ومن الأفكار التي نتمنى ان ترى النور انشاء ممرات مشاة تمتد حول هده الأشجار لتكون معلما سياحيا وتعليميا ولجدب السياح وبث روح التوعية للعامة ويكون معلما للدراسين والباحثين البيئيين. لهدة الأسباب سنظل ندعو حتى ينقطع الصوت لحماية هده الأشجار وحتى نرى خطوات ملموسة لحمايتها من اجل أولادنا واحفادنا والأجيال القادمة.