أراجيز الطف 50
تضمنت أرجوزة، الشهيد سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي، الاستعداد التام لبذل النفس، وعدم التردد في التضحية في سبيل الله، وحماية سبط المصطفى ، حيث حملت الأبيات التذكير بالنسب الرفيع للإمام الحسين ، فهو سليل عترة معروفة بالكرم والأخلاق والشجاعة والإقدام، في المعارك دون خوف أو وجل، ومن ثم فإن الشهيد سويد بن عمرو بن أبي المطاع، يستلهم من تلك الرجالات العظيمة، العزيمة والبسالة والخوض في غمار الموت، دون الخشية من السيوف، أو الهرب من الرماح أو الابتعاد عن السهام.
يبدأ الشهيد سويد بن عمرو بن أبي المطاع، الشطر الأول من الأرجوزة، بمناداة سيد الشهداء على السير قدما في سبيل دعوة الحق، فالمعسكر الذي يقف خلفه لا يخاف الموت على الإطلاق، نظرا لوجود اليقين التام بالفوز الكبير في الدنيا والآخرة، فضلا عن الاجتماع بسيد الأنبياء ﷺ في دار الآخرة، مما يحفز على المبادرة نحو المعركة، وإظهار البطولة في الساحة، خصوصا وأن الشرب من حوض الكوثر غاية كل إنسان، وبالتالي فإن الشهيد سويد بن عمرو، يتحرق شوقا لملقاة المصطفى ﷺ، بعد السقوط في ساحة المعركة، لاسيما وأن الشهادة في الدفاع عن ريحانة المصطفى ، كرامة لا ينالها سوى القلة، التي اختارها الله للتواجد في صحراء كربلاء، من أجل نصرة سيد الشهداء ، والفوز بكرامة الشهادة بجواره، حيث يقول ”أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا“.
وينتقل الشهيد سويد بن عمرو بن أبي مطاع، في عجز البيت الأول، إلى ذكر صفات سيد الأوصياء ، عبر استخدام بعض المفردات الدقيقة، التي تقود إلى التعرف على الشخصية، التي لم قدمت الكثير للإسلام، والوقوف خلف الرسول الأكرم ﷺ، في مختلف المواقف، الأمر الذي يفرض الاقتداء بهذه الشخصية الفذة، التي لم تلد البشرية مثيلاً لها على الإطلاق، فالشهيد سويد بن عمرو، يحاول عبر الأرجوزة إظهار الإعجاب الكبير، بهذه الشخصية الكبيرة التي فقدتها الإنسانية، وفرطت فيها الأمة الإسلامية، فشخصية الإمام علي يصعب وصفها، أو حصرها في مجموعة كلمات، نظرا للأدوار الكبيرة التي سطرها طوال حياته الكريمة، الأمر الذي يفرض اتخاذها نبراسا في السير نحو الطريق الصحيح، والعمل على الاقتداء بهذه الشخصية، التي لم تعطيها الأمة الإسلامية حقها، في القيام بدورها لممارسة الدور الإصلاحي، حيث يقول ”وشيخك الحبر عليا ذا الندى“.
ويواصل الشهيد سويد بن عمرو بن أبي مطاع، في الشطر الأول من البيت الثاني، سرد الأسرة الطيبة لسيد الشهداء ، من خلال الحديث عن كريم أهل البيت الإمام الحسن ، حيث يطلق عليه مفردة ذات دلالة واضحة لدى المتلقي، فقد استخدام كلمة ”البدر“ التي تحمل الكثير من المضامين، سواء الجمال أو نشر الضوء والخير في الأرجاء، فالإمام الحسن ينتمي إلى العترة الطاهرة، التي ورثت جميع المكارم، وامتازت بالشجاعة وسطرت البطولات في ساحات المعارك، فقد شهدت المعارك التي خاضها الإمام الحسن بالشجاعة التي يمتاز بها، وبالتالي فإن الشهيد سويد بن عمرو، يعتبر الدفاع عن هذه العترة الطاهرة التي ورثت المكارم، والشجاعة، والبسالة، واجب شرعياً، باعتباره دفاعا عن الإسلام، حفاظا على وصية الرسول الأكرم ﷺ، في السير وراء العترة الطاهرة، حيث ”وحسنا كالبدر وافى الأسعدا“.
وفي عجز البيت الثاني من الأرجوزة، يتناول الشهيد سويد بن عمرو بن أبي مطاع، سيرة حمزة بن عبد المطلب، من خلال استخدام مفردة ذات دلالة قوية، وهي ”القرم“ التي تعني الفحل، فأسد الله، وأسد رسوله حمزة بن عبد المطلب، من الرجالات في عشيرة بن هاشم، التي تمتاز بالشجاعة، والجسارة، والبطولة، حيث أظهرت معركة بدر تلك البطولة، من خلال قتل صناديد قريش، فهذه الشخصية الإسلامية قدمت الكثير للإسلام، وساهمت في الدفاع عن الرسول ﷺ، سواء في مكة المكرمة، أو المدينة المنورة، ومن ثم فإن الشهيد سويد بن عمرو، استذكر هذه الشخصية أثناء النزول في ساحة المعركة، للحصول على شحنات معنوية قوية، في إنزال العقاب العادل بالجيش الأموي، حيث يقول ”وعمك القرم الهمام الأرشدا“.
ويركز الشهيد سويد بن عمرو، في الشطر الأول بالبيت الثالث، من الأرجوزة، على ذكر بعض الألقاب التي اقترنت بالحمزة بن عبد المطلب، فبمجرد إطلاق تلك الألقاب يتبادر إلى الأذهان، تلك الشخصية الإسلامية، التي صنعت البطولات، في المعارك مع كفار قريش، حيث يعرف حمزة بن عبد المطلب لدى العرب بالليث والأسد، وهما اسمان يدلان على البطولة، والقوة، والإقدام في المعارك، فالسيف الذي يمتلكه حمزة بن عبد المطلب، قادر على إنزال العقاب بالطرف المقابل، نظرا للشجاعة والقوة التي يمتاز بها، وامتلاك فنون الحرب والتمرس على القتال في المعارك، فالشهيد سويد بن عمرو، حريص على استلهام تلك البطولات من حمزة بن عبد المطلب، أثناء مواجهة الجيش الأموي في صحراء الطف، حيث يقول ”حمزة ليث اللّه يدعى أسدا“.
وحرص الشهيد سويد بن عمرو بن أبي مطاع، في عجز البيت الثالث، من الأرجوزة، على استذكار البطولات الاستثنائية، التي سطرها جعفر بن أبي طالب، والتضحيات التي قدمها في سبيل نصرة الدين الإسلامي، حيث بذله نفسه رخيصة في سبيل الدعوة الإسلامية، خلال المعركة التي خاضتها ضد الروم في الأردن، مما أدى إلى قطع يديه في تلك المعركة، بحيث أبدله الله بجناحين يطيران به في الجنة، فالشهيد سويد بن عمرو بن أبي مطاع، ركز في الأرجوزة على استذكار الشخصيات، التي سطرت البطولات في المعارك، ودورها الكبيرة التي بذلتها في نصرة الدعوة الإسلامية، والدفاع عن الرسول ﷺ، وبالتالي فإن الواجب الديني يستدعي انتهاج الطريق ذاته، في سبيل نصرة سيد الشهداء ، وعدم اتخاذ الموقف المتفرج في معركة الطف الخالدة، نظرا لأهمية بذل النفس في هذا الموقف التاريخي، حيث يقول ”وذا الجناحين تبوأ مقعدا“.
يختم الشهيد سويد بن عمرو بن أبي مطاع، أرجوزته، بالتطرق إلى جنة الفردوس التي تتنعم فيها تلك الشخصيات الكبيرة، والخلود الأبدي في الآخرة، فالشهادة تختصر الطريق للالتحاق بتلك الشخصيات، التي سطرت البطولات بجوار الرسول ﷺ، وبالتالي فإن الشهيد سويد بن عمرو، يشير إلى أن طريق جنة الفردوس بات مفروشا بالورود، من خلال التضحية بالذات في ساحة الطف وإظهار البطولة في مقاومة الجيش الأموي، الذي احتشد لنصرة عبيد الله بن زياد، حيث يقول ”في جنة الفردوس يعلو صعدا“.
وتنقل كتب السيرة أن سويد بن أبي المطاع الخثعمي لما قتل الحسين وسمع يقولون: قتل الحسين ، فأخرج سكّينة من خفّه، فقاتل الجيش الأموي بسكينه ساعة، وكان يرتجز ويقول:
أقدم حسين اليوم تلقى أحمدا
وشيخك الحبر عليا ذا الندى
وحسنا كالبدر وافى الأسعدا
وعمك القرم الهمام الأرشدا
حمزة ليث اللّه يدعى أسدا
وذا الجناحين تبوأ مقعدا
في جنة الفردوس يعلو صعدا