موسم الربيان... ما زال مهرجاناً تلقائياً
قرأت في مجلة القافلة - التي أحب - موضوعا جميلا عن صيد اللؤلؤ، فتذكرت حوارا مع أحد الأصدقاء - من خارج المنطقة - حول موسم صيد اللؤلؤ هنا. دفعني الحوار أن أكتب للصديق العزيز ملخصا عن موسم صيد اللؤلؤ في المنطقة وكيف كان، وأثره على الناس هنا، وتأثيره التجاري وكيف اندثرت بفعل الزمن هذه التجارة والمهن المرتبطة بها بكل ما تحتويه من مشقة وعناء، وكذلك ما تحمله من ثقافة ونمط من أنماط الحياة لسكان المنطقة المرتبطين بالبحر، حتى إن بعض الناس كانوا يذهبون إلى مصائد المحار حتى وقت قريب «قبل 40 سنة» مشيا على الأقدام؛ نظرا للقرب النسبي لهذه المصائد من الساحل.
كان البحر هو بنك الغذاء المجاني الذي وهبه الله للناس الذي لا يحتاج إلى رأس مال سوى العمل، فهو المنجم المتدفق عطاءً لهذه المنطقة، فقبل النفط والغاز كان اللؤلؤ هو ذهب هذه المنطقة ومصدر ثروتها المادية والمعنوية التي يفد لأجلها تجار هذه السلعة من كل مكان.“فالْحَمْدُ لِلَّهِ بِجَمِيعِ مَحَامِدِهِ كُلِّهَا عَلَى جَمِيعِ نِعَمِهِ كُلِّهَا”.
لقد درجة القطيف على أن تكون مهرجاناتها ليس من النوع الذي تحتاج إلى تنسيق - بالمعنى التقليدي - بل تكون نتيجة توافق أو اهتمام أهلي نتيجة الاستشعار بالحاجة لذلك أو حتى الحالة الجوية وتحسن الطقس الذي يشكل محفزاً كبيراً في إقامة المهرجانات الأهلية «التلقائية»، ويمكننا أن نستدل بذلك بالنظر إلى مواسم الألعاب الشعبية، والتي كانت حاضرة حتى وقت قريب يمارسها الأطفال واليافعون، وصولاً إلى إقامة المناسبات الثقافية الأهلية التي عادة ما يزداد عددها ووهجها في فصلي الشتاء والربيع، فتبدو القطيف وكأنها في مهرجان ثقافي لكثرة عدد الفعاليات الثقافية فيها خلال فترة معينة من السنة.
اليوم وفي مثل هذا الشهر من كل عام تحتفل منطقتنا على طريقتها الخاصة بموسم الربيان الذي يستمر لمدة ستة أشهر. وهو أشبه بالمهرجان التلقائي. حيث يحتل الربيان وتفاصيله مساحة واسعة من أحاديث الناس، كما يحتل موائدهم، وكأنهم اتفقوا أن يكون هو العنصر الثابت على المائدة في مثل هذه الأيام من كل عام، كما يستقر قبل نهاية الموسم في ثلاجات التخزين في بيوتهم كما جرت العادة. ورغم أن هذا المهرجان يستعد له الصياد والتاجر وعامة الناس وحتى عمال النظافة والبلدية، إلا أنه مهرجان صامت، يغيب عنه الطابع الكرنفالي، باستثناء أصوات الحراج في أسواق الأسماك في المحافظة.
إن فرص الاستفادة من موسم الربيان كمهرجان تراثي وثقافي واقتصادي بارزة في دعمها التوجه العام الذي تعيشه بلادنا. ومن هنا يجب النظر إلى موسم الربيان في القطيف كي يكون امتداداً لأي مهرجان زراعي أو إنتاجي يقام في مدينة هنا أو منطقة من مناطق المملكة، فموسم الربيان هو بحاجة لأن يكون كرنفالاً توفر فيه كل الإمكانات كي يكون ذا طابع أبعد من المحلية، قابلاً للاستثمار بشكل أفضل وأوسع مما هو عليه اليوم وهو بطابعه التقليدي التلقائي الذي توارثته الأجيال.
أن الإبل والنخيل والثروة السمكية كلها عناصر ممثلة للهوية الثقافية لمناطق المملكة، وحفرت في عمق شخصية السعودية، والمملكة اليوم ومن خلال مهرجانات التمور كنموذج أصبحت علامة تجارية وقبلة للعالم في مجال التمور، وهي تحقق معدلات إنتاجية متصاعدة، وبالإمكان إضافة موسم الربيان الذي يجمع بين التلقائية وبين كونه مهرجاناً سياحياً واقتصادياً مميزاً يساهم في رفع مستوى التنمية المحلية وتنشيط الحركة السياحية البينية والخارجية معا.