عن مبارك العوض الذي رأيت
كثيرون التقوا بالراحل مبارك العوض، كثيرون شاهدوا صورته، وهو يحرص على إظهار بياض أسنانه في ابتسامة وجهه الأسمر، كما استمعوا إلى حكاياته اليومية، وتقلبات أحواله الصحية والمادية، كل ذلك قد حدث عبر مواقع التواصل التي جعل منها مجلسه المفتوح للحديث في كل شي خلال سنوات الماضية، كان كمن يصرف الوقت ووحشة العمر بترشيح خبر أو قصة أو صورة ليشاطر الآخرين الكلام حولها، هذا الحضور الكثيف جعل من غيابه ثقيلا على من كان يعرفه خارج تلك الفضاءات وداخلها على حد سواء، لأنهم وجدوا فيه كائنا بسيطا يقترح البسمة والفرح، حتى في ذروة لحظات الفقد والألم.
تعرفت إليه أول مرة خارج تلك المساحات الافتراضية، وداخل المناسبات الثقافية والفنية، تحديدا في تسعينيات القرن الفائت، وأنا اتهجى دروسي الأولى في الصحافة، والاهتمام بالفن والثقافة، لم تكن هنالك حاجة لفك شفرة الرجل، فهو يحضر يومها كواحد من الرعيل الأول المنشغل بالثقافة وصحافتها، لم انشغل في حقيقة الأمر بالتعرف على سيرته آنذاك، ربما لدخولي الحذر إلى مشهد الثقافة، أو ربما لفارق في الاهتمامات، لذلك لم تجمعنا المنصات الثقافية والفنية كثيرا، ولم تهبنا الفرصة لنفض ذاكرته الصحفية الموغلة في البعد.
عليّ الاعتراف بأني اكتشفته متأخرا، اكتشفت طبيعة حضوره في مشهدنا الثقافي كواحد من محرري الصفحات الثقافية، وكواحد من الرعيل الأول الذي شهدنا البدايات والتحولات معا، سأكتشف روابطه العميقة مع وجوه الصحافة والثفافة والفن في امتداد المنطقة الشرقية، سأعرف بعضا من ذلك من وقفاته الرثائية كلما مضى واحد من رموز البدايات، ستأخذني الصدفة إلى مشاهدته في عدد قديم لجريدة اليوم من عام 1399 وهو يقدم تغطية واسعة للاحتفالات الفنية والمسرحية بجامعة البترول والمعادن، قبل أن يتحول إسمها لاحقا إلى جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، كان يصف لنا وجوها فتية تطرق أبواب الفن بكثير من الحماسة، ومعها صحفي يمسك بالصفحات الفنية طولا بعرض، وأعني مبارك العوض الذي وجدته يعد الصفحات ويحرر المواد الخبرية ويمسك القلم ليكتب زاوية ضمن الملحق الفني.
الذين كتبوا نص البدايات في مشهد الفن والثقافة لهم فضل التأسيس، وفضل المحاولة في إيجاد شروط الحياة لمشهد لم يكن يحظى بالتقدير، بل كان في فصول كثيرة محط اتهامات وعداءات لأنه مثل خروجا عن المزاج السائد في المجتمع، لذلك يستحق العوض ورفاقه أن يكونوا عناوين لوقفة وفاء واحتفاء، في حياتهم وقبل مماتهم، وأن يخلدوا في الذاكرة، ذاكرة الصحافة، وذاكرة الثقافة، فلا حاجة لأن يكون للواحد منهم إسهامه المباشر في مشهد اليوم لينال الحظوة، يكفي أن نتذكر صعوبة البدايات وارتباكاتها لنعرف معنى النجاح والأثر الذي أبقى جذوة الحياة الثقافية حاضرة بين ظهرانينا.
مازل بإمكان الجهات الثقافية أن تقدم الكثير لجيل البدايات ومنهم العوض، أن تصغي لشكواه التي مات وهو يرويها للمحيطين به، عن شظف العيش، وتضاءل الفرص بحياة هانئة كريمة، ومسكن لائق، فلعل الذي كان يرفع الغطاء عن أخبار الناس ومناسباتهم، يجد لعائلته غطاء، وسعة في الحال، ترفع عنهم الهم والكدر.