أراجيز الطف 32
امتازت أرجوزة عثمان بن علي بن أبي طالب، في يوم عاشوراء بكل معاني الفخر والاعتزاز، بالانتساب إلى العترة الطاهرة، حيث يتناول في الأبيات الفارق الكبير بينه، وبين جميع الجيش الأموي، بالمفاخر العديدة التي يمتلكها، ولعل أبرزها أنه سليل سيد الأوصياء عبر وصف والده ”ذو الفعال الظاهر“، كما تحمل الأرجوزة الاعتزاز الكبير، بكونه ”أخ“ الإمام الحسين ، باعتباره خيرة الأخيار بعد والده الإمام علي ، وبعد أمة سيد نساء العالمين فاطمة الزهراء ، البقية الباقية بعد أخيه الإمام الحسن .
يستهل الشهيد عثمان بن علي بن أبي طالب، أرجوزته التي ارتجلها في ساحة المعركة، فور انحداره لمواجهة الجيش الأموي، بالتعريف بالذات وإبراز المفاخر التي يمتاز بها، فهو سليل العترة الطاهرة التي تحتل مكانة، لا يصل إليها أحد في الأمة الإسلامية، الأمر الذي يكشف الفارق الكبير بين معسكر سيد الشهداء، وجيش عمر بن سعد، ففي الوقت الذي يتقدم الإمام الحسين معسكره، لإعلاء كلمة الحق، ومواجهة الظلم والجور، فإن جيش عبيد الله بن زياد يقاتل في سبيل الدنيا، وكسب رضا والي الكوفة، مما يكشف المرتكزات التي ينطلق منها كل معسكر في يوم عاشوراء، حيث يركز في الشطر الأول من الأرجوزة، على التعريف بالنفس، وإزالة جميع التساؤلات، التي تدور في العقول الفارغة للجيش الأموي، إذ يقول ”إني أنا عثمان ذو المفاخر“، فالكلمات تتضمن ”ذو المفاخر“ التي تحمل في طياتها، الكثير من المعاني الجميلة، فالمفاخر الذي تمتلكها العترة الطاهرة، لا يضاهيها أحد على الإطلاق.
بينما يتناول في عجز البيت الأول من الأرجوزة، الانتساب إلى بطل الإسلام الخالد، وإمام المتقين ، فكونه أحد أبناء الإمام علي ، يكفي فخرا على جميع المسلمين، خصوصا وأن الجميع يعرف المكانة الرفيعة، التي يحظى بها ابن عم المصطفى من جانب، وإدخال الرعب والخوف في الجيش الأموي من جانب آخر، لا سيما وأن البطولات التي سطرها ”حيدرة“، في كافة المعارك التي خاضها، تحت لواء رسول الله ﷺ، ليست خافية على الجميع، وبالتالي فإنه يمتلك من الشجاعة والبأس، ما يجعله قادرا على الإطاحة بالرؤوس، وقتل الأبطال، حيث يشير إلى تلك البطولات الكثيرة، التي سطرها سيد الأوصياء في الحروب، التي خاضها بالقول ”ذو الفعال الظاهر“، وبالتالي فإن تسلل الخوف في النفس من مواجهة السيوف، ليست موجودة على الإطلاق، حيث يقبل أبناء سيد الأوصياء، على الشهادة بنفوس مستقرة ومطمئنة، حيث يقول ”شيخي علي ذو الفعال الظاهر“.
فيما يتطرق الشهيد عثمان بن علي بن أبي طالب، في الشطر الأول من البيت الثاني، إلى التعريف بوالده الإمام علي ، والقرابة اللصيقة بالنبي محمد ﷺ، فالقرابة النسبية معروفة لدى الجميع، فضلا عن القرابة ”السببية“، وبالتالي فإن الوقوف أمام معسكر سيد الشهداء ، يمثل جريمة فظيعة، خصوصا وأن إراقة أبناء الأنبياء تجلب الانتقام الإلهي، فالكلمات التي يحتويها الشطر الأول من البيت الثاني، تركز على القرابة النسبية مع ”النبي الطاهر“، من أجل وضع الجيش الأموي، في الصورة الكاملة، وعدم التهور في إراقة الدماء الطاهرة، لاسيما وأن معسكر سيد الشهداء ، لم يقترف جريرة توجب القتل، وبالتالي فإن الإصرار على القتال وقطع الرؤوس، يكشف مستوى التفكير، الذي يحرك والي الكوفة عبيد الله بن زياد، فهو يحاول إدخال الرعب في قلوب المسلمين، وتمكين يزيد بن معاوية من رقاب المسلمين، من خلال استخدام السيف، وعدم التردد في ارتكاب أفظع الجرائم، في سبيل الانتصار إلى يزيد بن معاوية، حيث يقول ”وابن عم للنبي الطاهر“.
بينما يركز في عجز البيت الثاني من الأرجوزة، على بيان الصفات والمزايا، التي يتصف بها سيد الشهداء ، فالقتال مع الإمام الحسين ليس منطلقا من دوافع القربى، أو ”حمية الجاهلية“، وإنما ينطلق من الإيمان الكامل بالقضية، التي يدافع عنها غريب الغرباء ، كونه حجة الله في الأرض، مما يعني أنه لا يتحرك بدوافع شخصية على الإطلاق، فهو يحاول من خلال وقوفه في أرض كربلاء، إعادة الأمة الإسلامية إلى المسار الصحيح، خصوصا وأن الدولة الأموية تحاول حرف المسار، عبر الكثير من الممارسات، فالشهيد على استعداد للتضحية بالروح، في سبيل الدفاع عن ”خير الأخاير“، وبالتالي فإن نيل الشهادة في أرض كربلاء، شرف لا يناله سوى القلة القليلة، ممن حظوا بالوقوف خلف سيد الشهداء ، وعدم التردد في قول كلمة الحق في وجه الجور والظلم، الذي يمثله الجيش الأموي في ساحة الطف، حيث يقول ”أخي حسين خيرة الأخاير“.
يستكمل الشهيد عثمان بن علي بن أبي طالب، في الشطر الأول من البيت الثالث من الأرجوزة، الصفات التي يتصف بها الحسين ، من خلال استخدام المفردات بسيطة، ولكنها قادرة على إيصال الرسالة بشكل سريع، حيث استخدم مفردات ”الكبار“ و”الأصاغر“، وبالتالي فإن سيادة سيد الشهداء ، ليست مقتصرة على شريحة دون أخرى، وإنما تشمل الجميع سواء الكبار أو الصغار، مما يعني أن الطاعة والتضحية في سبيل الدعوة، التي أطلقها واجب على الجميع، خصوصا وأنه من العترة الطاهرة التي فرض الله طاعتها على المسلمين، فالشهيد يترجم تلك القناعة في المسارعة نحو الشهادة، والقتال في سبيل الدفاع عن سبط المصطفى ، فهو يعتبر الروح أقل ما يقدمه في سبيل الدفاع عن الإمام الحسين ، باعتباره ”وسيد الكبار والأصاغر“.
يختم الشهيد عثمان بن علي بن أبي طالب أرجوزته، في يوم الطف باستكمال الصفات، التي يمتاز بها الإمام الحسين ، فهو السيد الوحيد في الأمة الإسلامية بعد الرسول ﷺ وهو «الوصي الناصر» ، إذ لا يوجد شخص في الأمة الإسلامية، يمتلك صفاته على الإطلاق، فهو حفيد الرسول ﷺ وابن علي المرتضى ، مما يؤهله للتربع على سيادة الأمة الإسلامية، وبالتالي فإن الوقوف أمامه، ورفع السلاح في وجه، ينم عن نكوص في الأمة الإسلامية، فالشهيد يعتبر مناصرة سيد الشهداء واجب ديني وأخلاقي على الجميع، باعتباره البقية الباقية من العترة الطاهرة ، بينما يستنكر تجيش الجيوش الجرارة في أرض كربلاء، المتحفزة لمحاربة الإمام الحسين ، خصوصا وسيد الشهداء يدعو إلى الحق، ويطالب بالإصلاح، مما يستدعي التوقف قبل الإقدام على رفع السيوف، لقتل معسكر سيد الشهداء ، حيث يقول ”بعد الرسول والوصي الناصر“
وحسب كتب السير فإن الشهيد عثمان بن علي بن أبي طالب ارتجز بمجرد انحداره إلى ساحة المعركة في يوم الطف قائلا:
إني أنا عثمان ذو المفاخر
شيخي علي ذو الفعال الظاهر
وابن عم للنبي الطاهر
أخي حسين خيرة الأخاير
وسيد الكبار والأصاغر
بعد الرسول والوصي الناصر