المجالس الحسينية.. ماذا لو كانت مختلفة؟
آيس كريم ساخن!!
لا يمكن أن تتواجد سيارة لبيع الآيس كريم في أي مكان، ولا يلتفت إليها الكبير قبل الصغير، الذكر والأنثى على حد سواء، صيفا أكان الوقت أم شتاء.
فهذه السيارة التي اعتدنا على رؤيتها منذ نعومة أظفارنا تجذبنا بألوانها الباردة الجميلة، ورسوماتها الملهمة، بأن ما يوجد بداخلها سيجلب لنا كما هائلاً من اللذة والسعادة.
ولك أن تتخيل فيما لو كتب على هذه السيارة ”آيس كريم ساخن“ فهل ستكون الصورة والشعور المتكون اتجاهها، كما هو ذلك الشعور الأصيل المتجذر في الجميع؟
أعتقد كما اعتقد العشرات الذين قرؤوا هذه العبارة بأنه لربما هناك خطأ ما فيها أو أنها تحمل مغزى وراءه حكاية غريبة، أو قد تكون فكرة ”هبة“ جديدة ستعم وتغزو سوق الآيس كريم.
ونحن على أعتاب شهر محرم، والذي سيدخل بعد يوم أو يومين، سنجد الكثير مما تآلفنا عليه واتفقنا بوجوده من شعائر، ومعتقدات وحسينيات، ومجالس، ومواكب، وأشعار، وأراجيز، وغيرها الكثير، المتنوع، الذي يجذبنا إلى متابعته، أو الذهاب إليه، وهنا قد يحتار أي منا في أي مجلس أو حسينية يذهب إليها؟ ليقضي أول أيام المحرم فيها وأي خطيب يستمع إليه؟ وهل ستكون خياراته موفقة؟ أم أن ضميره سيؤنبه لعدم الاختيار الصحيح منذ البداية؟
وحين يرى إعلانا لمجالس عاشورائية متنوعة، أو خطباء قد كشفوا عن عناوين محاضراتهم، التي سيقدمونها خلال هذا العام، يبدأ الانجذاب إلى بعضها دون الأخرى، وهنا يأتي السؤال؟
هل كل المجالس متشابهة؟
هل كل الخطباء متشابهون في الطرح؟
هل كل المواضيع التي ستطرح للمناقشة بذات القوة والمناقشة؟
مثل هذه التساؤلات تحدث وقفة تأمل وتفكير ولربما حيرة في الأمر، بين الخيارات المطروحة، لا سيما التي تتسم بالتغيير والتجديد وربما الغريب منها من باب التطوير، فالبعض ممن يحبون أن يجربوا كل ما هو جديد، قد يخوضون غمار التجربة، والبعض يفضل الابتعاد عنها، قابعا فيما تآلف واعتاد عليه الناس منذ القدم، لا نلوم لا هؤلاء ولا هؤلاء، كل له أسبابه وذوقه.
تماما مثل تجربة الآيس كريم ”الساخن“ فقد يكون هذا النوع من الآيس كريم جيد على المذاقات المألوفة، لكنه ليس بالسيئ، بل ربما تكون تجربة مختلفة ولذيذة، فما المانع من تجربة مجالس مختلفة في الأسلوب والطرح، طالما أنها لن تجنح عن لب القضية الحسينية المعروفة، ومضمونها العقائدي والفقهي والمجتمعي.
في العام الماضي، سمعت عن خطيب كان يدخل الكلمات الإنجليزية، في بعض عباراته التي يطرحها ضمن القضية الحسينية، وكذلك في موضوع الطرح اليومي للمناقشة، وقد قامت عليه قائمة من الناس التي انتقدت هذا الأسلوب في الطرح، بينما استحسنه كثيرون؛ من باب التجربة في الجديد الغريب، والمواكب للتطور أو التجديد الذي نتحدث عنه.
أنت وأنا لو عرض علينا أن نحضر مجلسا حسينيا هذا العام في حديقة عامة مثلا، أو في مطعم فاخر وكبير، خلاف ما تعارف عليه من أماكن، كالحسينيات أو المساجد أو الشوارع، أو البيوت الخاصة؟ فهل ستتقبل الفكرة؟
ولو دعونا لحضور عزاء خلف ”رادود“ يلبس البدلة الرسمية، أو الشورت، فهل سنتقبل هذا التغير؟
ربما ”نعم“ وربما ”لا“ وألف من النقاش الذي سيدار بين الناس بين المعترض لأسبابه، والمتقبل لأسبابه أيضا، وعادة ما يتم رفض الجديد في بداياته في أغلب المجتمعات، وذلك ما يسميه علماء النفس بـ ”حساسية الرفض“ حيث تشير حساسية الرفض في علم النفس الاجتماعي إلى سمة تجعل بعض الناس مختلفين عن الآخرين، حيث يأتي الأشخاص الذين يعانون من حساسية تجاه الرفض على عكس الأشخاص الآخرين أو أكثر منهم في مواقف جديدة يشعرون اتجاهها بالقلق ويدخلون في دائرة حساب الآثار السلبية قبل الإيجابية ولربما لا يرون الإيجابية بتاتا، وأنا هنا لا أقف مع الموافقين أو مع المعترضين؛ لأن مثل هذه المواقف تأخذ وقتها في نفس الشخص تدور وتدور ثم تقرر، وقد يختلف قراراها بين موقفين متشابهين حدث أحدهما في زمن مختلف عن الآخر أو في نفس الزمن.
المجالس الحسينية ثمرة ناضجة، تسر من يطلبها، تشبع من يرغب بها، ويجوع من لا يحسن كيف يتناولها، بأي كيفية كانت، وتحت أي لون تلونت.