التوازن
التوازن في التعاطي مع الملفات الكبرى والصغرى، يحدث أثر إيجابي على الصعيد الذاتي والاجتماعي، فالتطرف في المواقف يخلق المشاكل، ويسهم في تعقيد الأمور في الغالب، نظرا لوجود أطراف عديدة تتشارك في تلك الملفات، مما يستدعي وضع تلك الاعتبارات في الحسبان، لتفادي الانخراط في مسارات أكثر تعقيدا، وبالتالي فإن التحرك وفق الحسابات الدقيقة، يفضي للتصالح مع الذات أولا، والحصول على النتائج الإيجابية ثانيا.
النظرة الشمولية عنصر أساسي في التحرك الواعي، فالقصور في النظرة يترك انعكاسات سلبية، جراء التعاطي بانحيازية مع بعض الأطراف، مما يخلق بعض الإشكالات، وبالتالي فقدان القدرة على التحرك، وانعدام القدرة على التأثير، فضلا عن الافتقار للحصول على الدعم الخارجي، لمباركة تلك التحركات، الأمر الذي ينعكس بشكل سلبي على المعالجات المطروحة، مما يستدعي الحرص على التعاطي بشكل شامل مع الملفات، والابتعاد عن النظرة الضيقة، من أجل الوصول إلى الغايات المرسومة من جانب، وإيجاد المساحات المناسبة للتحرك بحرية من جانب آخر.
الموقف المتوازن يتجلى في اختيار المناطق المحايدة، فالكثير من الملفات الشائكة تتطلب الوقوف في المناطق الوسطى، بهدف استقطاب جميع الأطراف من جانب، والحصول على التأييد المطلوب من جانب آخر، فالموقف المتوازن يخلق حالة من الرضا، لدى الكثير من الأطراف الفاعلة في البيئة الاجتماعية، وبالتالي فإن حالة الرضا تساعد في الحصول على الدعم المناسب، للوصول إلى النتائج المثمرة، لا سيما وأن الأطراف المشاكسة أو الراغبة في الاصطياد في الماء العكر، ستجد نفسها خارج اللعبة، الأمر الذي يساعد إغلاق الملفات الشائكة بطريقة مناسبة، بحيث تحظى بتأييد ومساندة كافة الأطراف.
القدرة على لعب دور فاعل في القضايا الاجتماعية، ليس عنصر كاف للانخراط في المعالجات، والدخول في تلك القضايا الكبرى، فالإمكانيات الذاتية في التدخل القضايا أحد العناصر الأساسية، ولكنها ليست العنصر الحاسم في جميع الأمور، فهناك عناصر أخرى لا تقل أهمية عن الإمكانات الذاتية، بحيث تشكل بمجموعها قوة مؤثرة، في تحريك الملفات بالاتجاهات المناسبة، الأمر الذي يستدعي انتهاج الوسائل المناسبة، وعدم الاستناد على الإمكانات الذاتية لوحدها، فالعملية مترابطة وليست منفصلة على الإطلاق، بمعنى آخر، فإن رجاحة العقل والقدرة على التحرك بطريقة متوازنة، والابتعاد عن اتخاذ المواقف الاستفزازية، وكذلك إيجاد الوسائل المناسبة لتقريب وجهات النظر، فضلا عن دراسة الظروف الاجتماعية، وأيضا العمل على خلق البيئة المثالية، لتفعيل الحلول المقترحة، تمثل أدوات أساسية لتهيئة الظروف المؤاتية لإظهار حسن النوايا، وعدم الانحياز خلف طرف دون آخر.
دراسة البيئة الاجتماعية، وكذلك القدرة على التأثير على الأطراف المختلفة، تشكل عناصر أساسية في عملية البحث عن المعالجات المناسبة للملفات الكبرى، فالدعوة للجلوس على طاولة المفاوضات لا تؤتي ثمارها في بعض القضايا، مما يستدعي التحرك السريع للتعرف على مسببات التشنج، وعوامل نشوب تلك القضايا في البيئة الاجتماعية، بهدف إيجاد الأدوات القادرة على التأثير على الأطراف الفاعلة، في الملفات الاجتماعية، وبالتالي فإن الدراسة المسبقة للبيئة الاجتماعية تحدث أثرا فاعلا في الغالب، ”إذا عرف السبب بطل العجب“، الأمر الذي يفضي لحالة من التوافق الظاهري، نتيجة التحركات الحقيقية لخلق المناخ الملائم، لمعالجة الأمور بطريقة متوازنة، من خلال اعتماد مبدأ ”لا غالب ومغلوب“ بواسطة اعتماد ”رضى جميع الأطراف“، وعدم الميل إلى طرف دون آخر، انطلاقا من قاعدة ”المساواة“، والحرص على تحقيق الحد الأدنى من المطالب.
الرغبة في الانخراط في المعالجات الاجتماعية، غير كافية للحصول على النتائج المرجوة، فهناك تناقضات عديدة في البيئة الاجتماعية، بحيث تفرض انتهاج الواقعية، والتركيز على التوازن في إبداء المواقف، بهدف إحداث التأثير المطلوب في الأطراف الأخرى، لاسيما وأن الخروج عن الحياد في المواقف يجلب بعض المشاكل، ويحول دون الوصول إلى الغايات المرسومة، وبالتالي فإن التوازن يمثل الطريقة الأسلم، لتسريع إنهاء الملفات الشائكة في القضايا الاجتماعية.