الاختلاف يفسد للود قضية
في مُجتمعٍ مِثلَ مجتمعنا الذي يتسم - بالمحافظة - كما يتم تسميته، والمحافظة كما يتم الإشارة إليها كوصف مجتمعنا تُعنى بالجمود، أي أن يتم رفض الأفكار والعادات التي في الأصل لا توافق منظومتهم الفكرية. وهنا، يحقُ لنا التساؤل كأفراد في المجتمع، من الذي أسس الفلسفة المعنية بالأفكار والقيم والعادات والتقاليد وما شابه ذلك؟
وهل هي متغيرة حسب صيرورة التاريخ أم هي رتيبة ويراد منها البقاء على حالها؟
نظرة بسيطة على حال المجتمع الذي يرفع شعار - الاختلاف لا يفسد للود قضية - نكتشف من هذا الشعار الذي يتم إذاعته وبثه وسط المجتمع يصرح بشكل واضح ألا وهو اختلفوا، ولكن لا تختلفوا فيما لا نريده، اختلافكم عليه ألا يتعدى جزءًا بسيطًا. كونك تفكر، وتعتقد، أي تمارس حقك البسيط، الذي يوصلك لنتيجة مخالفة غير مقبولة بحسب تصورهم، هو أمرٌ مرفوض، ليس لأنه اختلاف، بل لأنه يخالف نمطهم وتصوراتهم. وها هنا يُطرح سؤالًا آخر، ماذا لو مارس شخص ما التدخل في شؤون البعض كما يمارسونه، هل سيقبلون أم سيرفضون؟
هل سيقبل هؤلاء الأشخاص بحسب نظرتهم أنهم مسؤولون عن اعتقاد الأفراد ونمط حياتهم أن يأتي الآخر ويمارس نفس الأمر عليهم؟
الاختلاف يفسدُ للود قضية كما هو حال مجتمعنا، الذي ينظر للفرد بطريقة اختزالية بوصفه تابعًا للإطار الفكري المعتاد، لا بوصفه إنسانًا له الحق في الاعتقاد. لذلك ما أن يعتقد الفرد كما هو اختار، تبدأ مساءلته تبعًا لاختياره، لكن، هل يوجد من يُساءل ذاته وينقدها، أي هل يوجد من يعتبر قيمة نقد الذات والتعامل مع الأفكار بوصفها وسيلة للمعرفة لا حاجز عن المعرفة؟
العقل الدوغمائي هو الذي يحرك الكثير. حينما يتصور الفرد بأنه مسؤول عن اعتقاد الآخر، بوصفه خارجًا عن الحق ”من حسب وجهة نظره“، لأنه فقط يختلفُ عنه في فهمه للأفكار والحياة، وربما يلتقي معه في عدة نقاط، لكنه مصاب بداء - الإقصاء - بمعنى يحاول أن يلغي دور الفرد من ممارسة حقه كإنسان.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يوجد من يجزم بأنه الحق والآخر باطل، أي هل اعتباره لنفسه الحق معناه إلغاء حق الآخر من إطار الاختلاف؟