كتاب ”ثروات الأجيال القادمة“.. رحلة مثيرة في سباق الموارد الطبيعية
يصدر قريبًا كتاب ”ثروات الأجيال القادمة“ للكاتب رائد محمد آل شهاب، والذي يستكشف أثر وجود أو عدم وجود الموارد الطبيعية في منظور الناس واستخدامها وتخصيصها. يسلط الضوء على تضارب المصالح والتوترات التي تنشأ بسبب الحاجة للتحكم في الموارد الطبيعية واستخدامها.
الكتاب يستعرض القارة الأفريقية كمثال، حيث يشير إلى الاهتمام العالمي المتزايد بالموارد الطبيعية القيمة فيها. يُذكَر أن القارة تمتلك نسبة كبيرة من الاحتياطي العالمي من الأراضي الصالحة للزراعة وتعتبر ”بسلة غذاء العالم من القمح“. ومع ذلك، يؤكد الكتاب أن الاستثمار والاستغلال الكافي لهذه الموارد لم يتحقق بعد، وتعاني القارة من البطالة وقلة الاستثمار في البنية التحتية.
ويتطرق الكتاب أيضًا إلى تبعات استغلال الموارد الطبيعية بدون دراسة جيدة للعواقب، حيث يشير إلى نقص الموارد الطبيعية والنمو السكاني والمشاكل الاجتماعية التي تنشأ نتيجة لذلك. يشير أيضًا إلى دور الصين، وخاصة شركات النفط الوطنية الصينية، في السباق العالمي على الموارد الطبيعية.
”ثروات الأجيال القادمة“ يقدم لمحة متواضعة عن الثروات الطبيعية، والسباق العالمي على الموارد الطبيعية، والفوائد الاقتصادية المترتبة على استغلالها، وأهمية إدارة وتأمين هذه الموارد، ومستقبل الحياة الحديثة في ضوء ذلك.
يُذكر أن ”رائد محمد آل شهاب“ هو حاصل على درجتي الماجستير والبكالوريوس في إدارة الأعمال، وقد عمل في شركات عالمية مختلفة في مجال المشتريات وحساب التكاليف ومخاطر الأعمال. يمتلك شغفًا للقراءة والاطلاع على ثقافات مختلفة ويتمتع بميول لقراءة الكتب القانونية. صدر له ثلاثة كتب أخرى قبل صدور ”ثروات الأجيال القادمة“، هي ”المواجهة الحاسمة بين الطبيعة والسرطان“، ”نهاية المدن التقليدية“، ”الطريق إلى القمة“.
تُختم الكتاب بكلمة أخيرة تشجع على حماية الثروة الطبيعية واستثمارها بطرق تضمن استدامتها للأجيال القادمة، ويتضمن ملحقًا لحالات دراسية لتوضيح أمثلة عملية في هذا الصدد.
وفيما يلي نورد المقدمة..
أثر وجود أو عدم وجود الموارد الطبيعية في أجزاء مختلفة من العالم على منظور الناس لفهمهم واستخدامهم وتخصيص الموارد الطبيعية. تسببت الموارد الطبيعية أيضاً في تضارب المصالح بين الناس ومجموعات الأشخاص والأقاليم والبلدان. ينشأ هذا من الحاجة إلى التحكم في الموارد واستخدامها وامتلاكها.
لكى أقرب الصورة أكثر، دعونا نأخد القارة الأفريقية كمثال على الأستثمار والتقارب والتضارب بين الناس ومجموعات الأشخاص والأقاليم والبلدان في آن واحد. بينما كنت أقرا عدة كتب ومقالات محلية وعالمية، وقع بين يدى كتاب في غاية الروعة يدعى السباق للفوز بما تبقى من خيرات الطبيعة، للكاتب مايكل كلير. حقيقة يجعلك تحلق بعيداً وبأفاق واسعة للمستقبل، يذكر في إحدى فصوله وبشكل دقيق ومركز عن ”الزحف الجديد لقارة أفريقيا“، وبالفعل تم الزحف لها من قبل أغلب دول العالم للحصول على المعادن شائعة الأستخدام والثمينة والنادرة مروراً بأهم عناصر الحياة وهي المواد الغذائية. فهي القارة الفريدة التي صنفت ”بسلة غذاء العالم من القمح“ والتي تمتلك أكثر من 40% من الاحتياطي العالمي من الأراضي الصالحة للزراعة، وأنها لم يتم الأستثمار والأستغلال الكافي لها، وتتشوق أكثر الحكومات الأفريقية لإستقطاب الاستثمارات الأجنبية وتمنح تسيهلات بالغة لكل من يرغب في الشراء.
ثم ذكر عن رخص أسعار أراضيها إذا ما قورن بالاقتصاديات الزراعية الأخرى. وبعد أن عددت الكلفة المنخفضة وظروف الزراعة المناسبة، تباهت مديرة مؤسسة باين للاستثمارات الإستثنائية بأنها تحقق معدلات أرباح سنوية عالية للاستثمارات تتجاوز 25% سنوياً.
أما بالنسبة للفلاحين الأفارقة أنفسهم، فإن تلك التصريحات المعسولة تخفي تحتها حقيقة مرة. ذكرت باين ”توفر اليد العاملة“ مثلاً، وهذه ليست إلا عبارة ملطفة عن البطالة التي تضرب أطنابها في القارة. وأن الطرق الواسعة المفتوحة تفصح عن القليل في استثمار أفريقيا في البنى التحتية وقطع الغابات بدلا من معالجة الفقر الشائع في القارة. كما أن العديد من النشطاء يعترضون على قولها بأن أفريقيا قارة غير مستغلة بعد، لأن الأراضي التي يستحود عليها المستثمرون الأجانب هي التي يستعملها السكان المحليون لرعى مواشيهم أو يزرعونها بالطرق الأسرية التقليدية. واستناداً إلى تقرير نشرته صحيفة دير شبيغل الألمانية، فإن مؤسسة الاستثمارات الإستثنائية قد استولت على 370,000 هكتار من أخصب الأرض الزراعية الأفريقية التي تمتد ما بين أفريقيا الجنوبية وزامبيا وموزمبيق. وتشير تقارير أخرى أن تلك الشركة قد استحوذت على أراضي إضافية في أنغولا وسوازيلاند وجمهورية الكنغو الديمقراطية.
إن حوالي 30% من تلك الأراضي تمتلكها الآن تلك الشركة، وما تبقى مضمون بموجب عقود تمتد لأجيال قادمة. تقول باين ”إن عملياتنا تجرى في بلدان حيث نمتلك الأرض بشكل قانوني“. ثم تلت ذلك بالتصريح إن الإحتمال الآخر هو الإستئجار من الحكومة لمدة 99 عاماً، فبدون ذلك لا نستطيع القيام بأي استثمار في أي بلد. ولكي تدفع جانباً التهم الموجهة إلى شركتها بأنها تستحوذ على الأراضي الزراعية بدون أى حقوق شرعية، أصرت باين قائلة ”إن العقود التي نحصل عليها من كافة الأطراف بما فيها الحكومة، قائمة على رغبة الجميع الذين يريدوننا أن نعمل هناك“.
لو عدنا قليلا إلى الوراء وبالتحديد قبل عام 1990، لاحظنا أن معظم العالم يعيش نوعاً ما حالة من الأستقرار تحت ثروة طبيعية تلبي مطالب الجميع، يقابلها تدفق المهاجرين الأفارقة في الجزء الأخير من القرن العشرين ويشار إليها غالباً بأنها ”الهجرة الرابعة الكبرى“. اتجه نحو ثلاث أرباع المهاجرين الخارجيين من أفريقيا إلى الولايات المتحدة بعد عام 1990. بدأ هذا الاتجاه بعد إنهاء الاستعمار، لأن العديد من الأفارقة انتقلوا إلى الولايات المتحدة ودول عديدة حول العالم بحثاً عن التعليم وهرباً من الفقر، وارتفع بشكل مطرد مع مرور الوقت. والآن العالم يزحف إلى قارتهم الغنية بالزراعة والمعادن.
وهذا النتيجة تعطى لنا مؤشر مخيف على اختلال منظومة التوازن الطبيعي للثروة، وحصول فجوة كبيرة في تأمين الموارد للأجيال القادمة، ففي العقود السابقة، قام بعض بلدان الجزء الغربي من العالم باستغلال الموارد استغلال غير مدروس العواقب في مقابل التركيز على الفوائد الأقتصادية. مما أدى إلى خروج مشاكل عديدة على السطح، من بينها النقص الحاد للموارد الطبيعية، النمو السكاني المطرد للمواطنين والمهاجرين والمشاكل الأجتماعية إلخ. وخير دليل على ذلك تصريح ديفيد أورالي المدير التنفيدي لشركة شفرون بعام 2005 في المؤتمر السنوي لصناعة النفط المعقد في مدينة هيوستن الأمريكية، عندما أخبرهم أن أعمالهم قد وصلت إلى نقطة تغيير بارزه بعد مرور ما يزيد عن مائة عام كان فيها اليترول متوفراً على المستوي العالمي، وبشكل يتناسب مع الحاجة المتزايدة له. قال "إن النفط لم يعد موجوداً بشكل كثير، وأن الوقت الذي كنا نعتمد فيه على نفط رخيص وغاز أرخص قد انتهى بشكل واضح.
فعلى سبيل المثال، حاولت شركة النفط العملاقة BP البريطانية في مطلع القرن العشرين أنها ستتوقف عن التركيز على استخراج النفط والغاز الطبيعي بشكل مبدأي، وأنها ستعمل بدلا من ذلك على مشاريع الطاقة المتجددة مثل الرياح وخلايا جمع الطاقة الشمسية والوقود الحيوي. ادعى مدير الشركة التنفيدي جون بروان ”أن الشركة يجب أن تنظر إلى ما بعد الوقود النفطي والغازي، إلى ما يمكن أن ينتج على المستوي المحلي والذي لا يهدد استمرارية المناخ العالمي“. أصبح شعار الشركة هو ”ما بعد البترول“ وحتى أنها غيرت علامتها التجارية إلى قرص الشمس الأخضر. أسعد هذا التغيير في خطط الشركة بي بي السياسيين وأنصار البيئة وأنعمت ملكة بريطانيا اليزابث الثانية على جون بروان بلقب ”فارس“ تكريماً لإدارة شركتة وقيادتة لشؤون الطاقة في ذلك الاتجاه. غير أن حملة ”ما بعد البترول“ أحدثت تغيراً بسيطاً في هيكل نشاطات الشركة بي بي وسرعان ما اخفقت نهائياً. أحيل بروان على التقاعد 2008 وحل محله مدير تنفيذي جديد اسمة توني هيوارد، الذي سارع مباشرة لإعلان خطط تعيد التركير السابق على البترول. تعتمد طاقة المستقبل أكثر على النفط، وأنه سيشكل الجزء الأكبر منها، حسب تصريح هيوارد في عام 2010. كما أنه قام بإغلاق قسم ”الطاقة البديلة“ في الشركة وزاد في استثمار المزيد من الأموال للإستثمار في قطاعي النفط والغاز. غير أن إعادة تركيز بي بي على النفط قد خلق لهيوارد مشكلة عسيرة مفادها أن حقول النفط التي يسهل الوصول اليها قد استنزفت ونضبت فعلا أو أنها أصبحت تحت إدارة مؤسسات حكومية تملكها دول أخرى.
وهذا الأسلوب من التنفيذ يأخدنا إلى تقرير Harvard Business Review لعام 2017 والذي يتكلم عن سياسة التنفيذ أنها مشكلة تعود إلى الأشخاص، وليست مشكلة أستراتيجية. يصعب اقناع الأشخاص بتنفيذ استراتيجية ذكية بمقدار 10 مرات. ولا يكفى لدفع تنفيذ الإستراتيجية، لأنه في حين تطوير الاستراتيجية والاتصال يتعلقان بمعرفة شئ ما، واستراتيجية التنفيذ هو القيام بشئ ما. والفجوة بين ماتعرفه وما تفعله هي في الغالب ضخم، أضف إلى ضرورة جعل الجميع يتصرفون بما يتماشى مع بعضهم البعض. غالباً، مايتم إخفاء سبب تنفيذ الاستراتيجية حتى من قبل أكثر الأستراتيجين ذكاءً، لأن في الأساس لايمثل تحدياً إستراتيجياً، بل أنه سلوك بشري.
ولذلك قامت الأمم المتحدة في عام 2016 بتبني 17 هدفاً تعرف بأسم أهداف التنمية المستدامة SDGs Sustainable Development Goals وهي دعوة عالمية للعمل من أجل القضاء على الفقر وحماية كوكب الأرض وضمان السلام والازدهار لجميع الناس.
ومع مرور عدة عقود، أحس التنين الصيني بقلق شديد بسبب الأعتماد الكلي وبشكل كبير على الشركات التي تمتلكها الاحتكارات الغربية، للحصول على مصادر جديدة للطاقة. وهذا يعنى أن يكون لشركة النفط الوطنية الصينية دور عالمي CNPC واضح. وينطبق نفس المفهوم على شركة النفط الصينية للمناطق البحرية CNOCC وكذلك الشركة الوطنية الصينية للصناعات البتروكيميائية ISINOPECI.
فأصبح العالم مقدم على سباق جديد من قبل BRICS بريكس للتجمعات القوية لإقتصادات السوق الناشئة الرائدة في العالم وهي البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، مع أمكانية دخول دول أخرى، وتهدف آلية بريكس إلى تعزيز السلام والأمن والتنمية والتعاون. فظهور قطب جديد للسباق هو أمر صحي للعالم أجمع. فالأبواب الخمسة التالية من هذا الكتاب تقدم لمحة متواضعة عن ثروات الأجيال والسباقات التي سوف تحدد ملامح الحياه الحالية والمستقبلية:
- الثروات الطبيعية
- السباق العالمي على الموارد الطبيعية
- الفوائد الأقتصادية في الموارد الطبيعية
- الأدارة في تأمين الموارد الطبيعية
- مستقبل الحياه الحديثة