العقلانية ليست وهما إن اعتمدت على أدوات علمية
بدءا بالفلسفة، نعرف أنها تعني بستة أمور «الأربعة الأولى أهمها»:
1. نظرية المعرفة
2. الميتافيزيقا
3. المنطق
4. الأخلاق
5. السياسة
6. الجماليات
يمكن الحصول على المعرفة من خلال خمسة وسائل:
1. الحواس «حواس الإنسان ضعيفة جدا».
2. الإجماع «كل الذين أجمعوا على سطحية الأرض مخطئون».
3. رأي الخبراء «لقد أخطأ بطليموس حينما ظن بأن الأرض مركز الكون»
4. المنطق «نوعان، وليس فقط ما أتى به أرسطو، وكثير ما يعتمد السفسطائيون على مغالطات منطقية».
5. الطرق العلمية «وهي التي أنفذتنا من أقطار السماء ولا زالت تتطور».
المنطق الأرسطي معروف، وهو بسيط «وهذا لا يقلل من قيمته»، ويعتمد على الاستنباط «deductive»، وتكون النتيجة إما صائبة أو خاطئة، وليس بالضرورة أن تكون الصائبة صحيحة «لا نريد أن ندخل في مثل هذه التفاصيل». ويعتمد على ثلاث جمل رئيسية «مقدمتين - أو فرضيتين -، واستنتاج»:
1. الكائنات الحية تنمو. «مقدمة 1»
2. الأشجار كائنات حية. «مقدمة 2»
3. إذًا، الأشجار تنمو. «استنتاج»
وهنا مثال على مقدمتين صائبتين، ولكن النتيجة ليست صحيحة:
1. تنمو البذور لتصير نباتات.
2. السرخسيات نباتات.
3. إذا، تعتمد السرخسيات على البذور لتتكاثر وتنمو.
نعم، تصنف السرخسيات من ضمن مملكة النباتات، ولكنها تتكاثر عن طريق الأبواغ، وليس البذور.
في القرن السابع عشر، تحدى الفيلسوف الإنجليزي، فرانسيس بيكون «Francis Bacon»، المنطق الاستنباطي لأنه غير كاف لحل كل المسائل في هذه الحياة، وابتكر ما يسمى ”المنطق الاستقرائي“ «inductive». زرع بيكون البذرة الأساسية للاستقراء. ويعتمد المنطق الاستقرائي على الملاحظة، وكلما كثرت عندنا بيانات ومعلومات، زادت نسبة صحة الاستنتاج والوصول إلى المعرفة الصحيحة. وهذا يعتمد على التجربة «empiricism». المنطق الاستقرائي قلب مفاهيم العلم، بل انتقل بالعلم من مرحلة الركود إلى حد التصاعد والابداع.
ولقد بنى بعض العلماء على الأسس التي وضعها بيكون؛ ومن ضمن هؤلاء، بليز باسكال «Blaise Pascal»، بيير فيرما «Pierre de Fermat»، لابلاس «De Laplace»، إلى توماس بيس «Thomas Bayes» الذي أنشأ علم الاحتمالات، ويستخدم هذا العلم بكثرة اليوم في الذكاء الاصطناعي.
كتب الدكتور عبدالله آل ربح مقالا في صحيفة الشرق الأوسط، في يوم الثلاثاء 4 يوليو 2023 م، مقالا تحت عنوان ”العقلانية المتوهمة“. ولا أظن بأن الدكتور غطى الموضوع بشمولية بحيث اعتمد فقط على المنطق الاستنباطي للوصول للنتائج، وقفز فوق المنطق الاستقرائي، والذي يعتبر أهمها للطرق العلمية المذكورة سابقا، علما أن الطرق العلمية هي الأقوى للوصول للنتائج المفيدة لهذه الحياة، بعيدا عن علم الكلام الذي قد يضر ولا ينفع. والمنطق الاستنباطي قلما يحدد آليات العلم التجريبي، بل العكس هو الصحيح.
رجال الدين غير متعلمين بما يكفي للاستفادة من أدوات العلوم الإنسانية والتجريبية. وأنا أضيف إلى ذلك، أنهم يستخدمون المنطق فقط للسفسطة وتغليب الاعتقاد وخداع الرأي العام. وجلهم يتحدث بلا منطق، ولا يميز بين الفلسفة والسفسطة، وأكثرهم يعتمد على المغالطات المنطقية، وأكبرهم لا يعرف كيف يستخدم الأدوات العلمية للوصول إلى أي معرفة، لأنها أساسا مسبقة بالنسبة لهم، بينما يستخدمون كل طاقاتهم للتبرير فقط. فأي احتكام إلى عقل أو منطق أو علم حينما يفتي الشرع بجواز تفخيذ الرضع والدخول بصبية ذات تسع سنين؟!
وخلاصة القول، أن العقل ضعيف اليوم أمام معالجة البيانات الضخمة «واقعا متضخمة» وربطها مع بعضها. لذلك، يستعين العلم اليوم بالحواسب والذكاء الاصطناعي للوصول إلى نتائج أدق وأشمل، وذلك لتغطية عجز الدماغ عن معالجة كل ما هو متاح، والوصول إلى روابط بين المعلومات لنصل إلى معرفة جديدة. الدكتور الربح يتكلم عن العقل في الوقت الذي انتصر فيه الذكاء الاصطناعي على أكبر عقل موجود على الأرض. أما المدارس اللاهوتية فتفتقد للمنهجية والفكر والعلم، وهمها الأول والأخير إثبات صحة الأساطير التي ورثوها ممن سبقهم، ومغالطة المنطق لتضليل الرأي العام، ومحاربة العلم بكل صلافة.