«العفو» أسرع طريق للسعادة
لماذا الله يأمرنا في كثير من الآيات بالعفو؟ ولماذا سمى الله نفسه بالعفو؟ وما هي قصة الذي دخل الجنة بسبب العفو؟ وهل نحن نربي أنفسنا على العفو أم على الإنتقام؟ ولماذا علماء النفس وجدوا ارتباطا كبيرا بين الإنسان السعيد والذي يتحلى بخلق العفو؟ سنجيب على هذه الأسئلة بهذا المقال.
إن «العفو» اسم من أسماء الله تعالى ومعناه أنه يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي قال تعالى ﴿فإن الله كان عفوا قديرا﴾ ، ومن الأدعية المشهورة عن رسولنا الكريم ﷺ «اللهم أنك عفو تحب العفو فاعف عنا»، وهناك آية لو تأملها الإنسان لوجد فيها معنى عظيما في العفو عمن ظلمه أو أساء إليه ولو كانت الإساءة من الأبناء أو بين الأزواج قال تعالى ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ ،
ولعل السؤال المهم هو لماذا نعفو ونسامح ونغفر ولدينا القدرة على الإنتقام؟ والجواب على هذا السؤال هو أن العفو فيه فائدتين، الأولى دنيوية والثانية أخروية، فأما في الدنيا فقد وجد الباحثون أن هناك ارتباطا كبيرا بين العفو والشعور بالسعادة عند الشخص الذي يعفو، كما تم اكتشاف أن التسامح والعفو يعالج بعض الأمراض المستعصية، وهذا من أسرار التسامح والعفو، لأن الأشخاص الأكثر تسامحا وعفوا عن الآخرين هم الأشخاص الأقل انفعالا في المواقف التي تسيء إليهم، وفي بعض الأبحاث بينت أن المتسامحون لا يعانون من ضغط الدم لأن القلب عندهم يعمل بانتظام، وكذلك لديهم قدرة على الإبداع أكثر وأن التسامح يطيل العمر،
ولو قارنا بين الجهد الذي يبذله الإنسان أثناء رغبته بالإنتقام من شخص أساء إليه وبين الجهد الذي يبذله في العفو والتسامح فإن العفو يوفر الجهد والوقت ويعطي نتائج أكبر، فقد قال الأمام جعفر الصادق «لأن أندم على العفو عشرين مرة أحب إلي من أندم على العقوبة مرة واحدة»، وهناك بعض الدراسات تفيد أن التسامح والعفو يقوي جهاز المناعة عند الإنسان، ولنتأمل قول الله تعالى ﴿وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ﴾ فالله أمرنا أن نتفكر بالعفو وهو خير ما ينفقه الإنسان، فهذه من فوائد العفو بالدنيا.
فالتسامح قوة ولكن أكثر الناس يرون أن التسامح ضعف، فالعفو لا يعني التنازل عن الحقوق ولا يعني عدم الدفاع عن النفس، وإنما المتسامح هو الذي يخطط للمستقبل وهو أكبر من المواقف المسيئة، أما في الآخرة فأجر العفو والتسامح عند الله عظيم، ولهذا عفا يوسف عن أخوته وقال لهم «لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين»، وعفا رسولنا الكريم ﷺ عمن ظلمه يوم فتح مكة وقال لهم «إذهبوا فأنتم الطلقاء»، ومن القصص الجميلة التي أخبرنا عنها رسولنا الكريم ﷺ أنه «كان تاجرا يداين الناس فإذا رأى معسرا قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا فتجاوز الله عنه»، فالعفو هو ترك عقوبة الشخص المسيء أما الصفح فهو ترك لومه وقد أمرنا الله بالصفتين قائلا «فاعفوا وأصفحوا».