آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:09 م

إطلالة أولى على الصراعات الرياضية

أثير السادة *

هل ينتابك الشعور بأن المواجهة دائما ما تكون ساخنة بين الخليج ومضر؟ وأن الأجواء مشحونة وتكاد تنفجر؟

ربما لا أحد بحاجة إلى التذكير بطبيعة الندية التي تصاحب المواجهات الرياضية بين الفرق المتجاورة جغرافيا، فمشاعر التحدي ورغبة الانتصار تكون في أوجها كلما ضاقت المسافة الجغرافية بين الفرق، والمتابعون لكرة القدم محليا وعالميا يعرفون تماما فرط الحساسية الذي يصاحب كل لقاء يجمع بين فرق من ذات المدينة أو من مدن متجاورة.

إذن لنتفق بداية على وجود حد طبيعي في هكذا لون من الصراعات الرياضية والمناكفات التي تترتب على اللقاء بين الفرق المتجاورة والمتنافسة في لعبة ما، حد يمكن فهمه بالاستناد إلى الدراسات التي حاولت مقاربة الرياضة سيكيولوجيا، وسعت إلى تحديد الحوافز والدوافع التي من خلالها تتنفس الرياضة، وتكبر، وتصبح شأنا يتجاوز الترفيه، إلى التعبير عن الهوية والمكان والذات الجمعية، وهذه العناصر تحديدا هي ما يوسع من دائرة الحساسية، ويجعل من الرياضة متكأ لاستحضار كل أدوات الصراع في الحياة.

كنت أحاول شرح هذه المسألة بالأمس للأصدقاء، وأنا أجرب مقاربة بصمات المكان في هكذا نزاعات رياضية، أقلب بغير يقين طبعا كل الاحتمالات الممكنة، لقناعتي بأن صراع الأمكنة له تجليات مختلفة، وتأثيرات متباينة، فتارة يبدو الصراع بين الهامش والمركز، بين القرية والمدينة، وبين الريف والساحل، كنويات لأشكال ممكنة من التباين الثقافي والاجتماعي، وتارة يكون صراع المخيلات، والصور النمطية التي يفترضها كل واحد عن الآخر، حيث الحرص المستمر على حراسة الفورق وصيانتها بيننا وبين الآخرين.

لكن هذا وحده لا يفسر كل شيء، فجغرافيا المكان ليست وحدها من يولد الحساسية، ويصعد من حدة التنافس، المشاعر المتضخمة التي تنشأ على تخوم التشجيع الرياضي قد تعود أصلا إلى الرغبة في إيجاد خصم أو عدو لدود من أجل الإحساس بقوة الهوية وتماسكها، بالأمس كان نادي الخليج يجد في حضور النادي الأهلي كخصم تاريخي شرطا للاحساس بالتماسك والشعور بهويته، يراد للأهلي أن يظل هو ذلك الآخر الذي يذكرنا بمن نكون، واليوم ومع انزياح جغرافيا اللعبة وانحصارها في دائرة جغرافية صغيرة، هنالك من يريد أن يكون نادي الخليج بالنسبة له هو الخصم اللدود الذي يغذي فيه سؤال الهوية.

لا يمكن أن أقطع برجحان هذا القول بالتمام، فالصراع على المكان قد ينسحب على التاريخ أيضا، فالهوية تقف على هذين الحدين، جزء من تحسس مريدي الخليج تجاه صعود فرق المنطقة في العقود الماضية هو الاعتقاد بسرقة ما يمكن أن يوصف بالامتياز بالتاريخي في حقل لعبة اليد.. هذا الشعور ستجده يتسلل في لغة الجمهور واللاعبين، بشكل مباشر أو غير مباشر، صعود الفرق المتباينة في حجمها ورصيدها التاريخي وتسيدهم للعبة بدا وكأنه تحدي لهوية النادي التي كانت تغرف كثيرا من معين هذه اللعبة.

لكن السؤال الآن: هل من وجوه إيجابية لهذه المنافسة المباشرة مع فرق الجوار؟.. كل فريق يريد أن يظهر في مظهر الأفضل والأقوى، ومن دون منافسة قوية لا يمكن أن تقيس قوتك، ولا أن ترفع سقف طموحاتك أيضا، لذلك أعتقد بأن ثمة وجوه صحية لهكذا منافسة، أنها تهبنا الرغبة في التماسك داخليا، والتعاون كمجموعة من جهة، وتقدم لنا كما يورد أحد الكتاب ما يغذي حاجاتنا النرجسية.. من هنا صرح السير ألكيس، المدرب التاريخي لمانشيستر يونايتد، ذات لقاء قائلا بحاجة كل من ليفربول ومانشيستر يونايتد لبعضهما البعض، فوجود الأخير لا يتحق إلا بوجود الأول، في إشارة إلى حيوية التنافس وحضورة ضمن بناء هوية كل فريق من هما.

قد نعود ثانية..