آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 11:28 ص

ما بين استراتيجية إدارة الصف واستراتيجية إدارة الحشود

طالب المطاوعة

يؤكد المعلمون والمربون على أهمية قلة عدد الطلاب بالفصل، بحدود 25 طالباً كحد أقصى، ويمكن التجاوز قليلاً، كي يتمكّن الطالب من الاستفادة القصوى، ويمكّن ذلك المعلم من إدارة الصف بصورة عالية، بما ينعكس على قوة أدائه، وبالتالي نسبة المشاركة بالسؤال والجواب وزيادة نسبة التركيز عند الطالب.

هذه النظرية التربوية تلاقي رواجاً كبيراً عند المعلمين والتربويين في مكاتب التعليم وكذا أولياء الأمور.

الأمر الذي يجعل بعض أولياء الأمور يفكر في دارسة ابنه بالمدارس الأهلية لقلة عدد الطلاب بالفصول، كي تتحقق النتيجة التعليمية والتربوية المقصودة.

لكن ماذا يمكن أن يجيب به المدربون ”المعلمون“ والطلاب أنفسهم في القاعات الكبيرة، والتي يزداد عدد الحضور فيها على 350 - 400 طالب؟

من يستمع إلى هؤلاء أنفسهم، سيجد إجابة مختلفة جداً ومعاكسة للمألوف والمعروف، عن أهمية أن لا يزيد عدد الطلاب بالفصل عن 15 - 25 طالباً.

فما هو السبب وراء ذلك الشعور والإحساس؟

ولكي نعرف السبب الحقيقي علينا أن نستعرض الاستراتيجية المتّبعة في إدارة الحشود والجماهير، والتي قد لا يعرفها ولا يدركها الكثير منّا حقيقةً.

وسوف أطرح بين أيديكم تجربتين عمليتين لإدارة الحشود، أقيمت هذه الأيام بمحافظتي القطيف والأحساء.

حيث حضر في كلتا التجربتين أعداداً كبيرة جداً ما بين 150 - 400 طالب وطالبة بالقاعة.

ولينتبه الجميع أنني قلت طالباً وطالبة، بما يعني الصعوبة أكبر في التعامل في الآن مع جنسين مختلفتين.

الاستراتيجية التي يتّبعها هؤلاء في إدارة الحشود تقف على عدة معايير إدارية وعلمية وتربوية أساسية وليست كمالية.

أولاها: البيئة التعليمية، فتغيير المكان ووجود الطلاب في مكان مهيأ من حيث المساحة وجلوس كل جنس بمكانه المخصص له، الخدمات، الإنارة، التكييف، الديكور، المداخل والمخارج، وأمكنة الصلاة، ينعكس كل ذلك على نفسية الطالب كثيراً.

وهذا ما نجده في تدريب الموظفين بالشركات والمؤسسات، بتقديم الدورات خارج حرم الشركة، بالفنادق والقاعات المخصصة لذلك، بل بعضهم يقدمها في خارج البلاد.

ثانيها: حضور الطلاب من ذواتهم وبدون دفع من أولياء أمورهم، وبدون قيود مدرسية يعرفها الجميع - قد يخرج لشرب كوب الشاي والقهوة ويعود -.

ثالثها: الرغبة العارمة عند الطلاب في فهم المواد المقدّمة ”الرياضيات، الفيزياء، الكيمياء، والأحياء“ وعلاقتها بمصير الطلاب، في نتيجة اختبارات القياس، وفرص حصول الطالب على تخصص يرغبه، وكرسي جامعي من عدمه.

رابعها: كفاءة المدربين وإعداد حقائب تدريبية تجمع بين الكتب الدراسية، والمؤلفة ذات الصلة، التجميعات، التأسيس للمادة، والمراجعات.

خامسها: التشجيع والتحفيز المستمر على كل مشاركة وإجابة من خلال الجوائز والكوبونات والتصفيق الحار بالمنافسة بين الجنسين.

سادسها: وجود فريق إداري وتنظيمي ينظم ويقدم كل الخدمات والتسهيلات، من لاقطة صوتية، ماء، ورق المنديل، والأقلام، بما يخفف كثيراً من الاستئذانات لطلب شرب الماء وغيره.

سابعها: وجود معلم متمكن جداً للتحفيز والتشجيع وإدارة القاعة وإحكامها وإثرائها بمداخلات شيقة ورائعة ”معلم مساعد“.

ثامنها: وجود شاشة ضوئية ”بلازما“ يشاهد من خلالها كل الطلاب في آخر القاعة بكل سهولة وارتياح للأرقام والرموز والحروف. يضاف لها وجود قاعدة أقلام ضوئية للكتابة والشرح.

تاسعها: وجود إشراف يخطط مسبقاً وينظم وينسق، ويوفر حقائب إلكترونية أو ورقية، وروابط تسجيل، ونماذج إدارية لتعبئة البيانات.

عاشرها: أضف إلى ذلك نجاح تجربة المعاهد والمراكز بالعموم، والتي تقدم تلك الدورات لسنين.

النتيجة المؤكدة، والتي شعر بها ولمسها وتحقق منها، الجهة المشرفة، والمنظمة، والمدربون، والطلاب، حسب تلك المعايير، هي أن نسبة الاستفادة والتركيز في إدارة الحشود بمراعاة تلك المعايير أكبر بكثير منها في الفصل الدراسي. ولربما سمع بذلك، وشاهده المسؤولون بأم أعينهم من الطلاب والمدربين والمشرفين.

والنقطة المهمة في الأمر. أن مثل هذه الدورات تكسب الطالب المعلومات ومهارات التفكير في آن، والتي تساعده على الحل بطرق منطقية وسريعة في اختيار الإجابات الصحيحة، بدون كتابة طريقة الحل أحياناً ما.

مما يعني بضرورة إعادة التفكير والدراسة الموضوعية لمثل هذه التجربة والنتيجة المتحصّلة من خلالها.

وقد يعتقد البعض أني أدعو لإلغاء فكرة الفصول واستبدالها بالقاعات. لا لم أذهب إلى ذلك أبداً. بل أطلب الاستفادة من التجربة الحية، لنجاحها لسنتين متتاليتين، وفي مكانين مختلفين. وأظنها رافد وداعم مهم وقوي ويبتغيه الطلاب وأولياء الأمور.

بل أذهب إلى أهمية التعليم والتدريب باستراتيجية الحب والمسابقات. ولعلّ المكان لا يناسب لتطبيق استراتيجية التعليم باللعب.