كن أنت القاضي!
تحدثتُ في مقالي السابق عن أهمية تدريس الأخلاق وتأثيرها على الفرد والمجتمع، واقترحتُ إضافة مادة لتدريس الأخلاق والمعضلات الأخلاقية المعقّدة بالتحديد، ورفع سقف التحديات لأعلى مستوى.
الهدف من ذلك ليس تعليم الفرد كيف يتصرَّف لو واجه تلك المواقف فقط، بل الهدف هو خلق جيل متأمل وواعٍ يمتلك فكرًا مدركًا للقيم الإنسانية، وتنمية قدرته على التفكير النقدي، واتخاذ القرارات السليمة في المواقف الصعبة، وإدراكه تأثيرها عليه وعلى الآخرين من حوله. إضافة لتعزيز الإحساس بالآخرين عن طريق محاولة رؤية المسألة من زواياهم المختلفة.
في مقالي هذا سأطرح بعض الأفكار التي بالإمكان تطبيقها للوصول للهدف المنشود. ومن بين هذه الأفكار:
• يواجه الإنسان المشاكل الأخلاقية في حقول العمل المختلفة، وجميع مجالات الحياة؛ لذلك بإمكاننا وضع منهج لتدريس الأخلاق والمعضلات الأخلاقية أو دمجها في أغلب المناهج الدراسية كالعلوم، والتاريخ والأدب. مثلًا، ومناقشة جدلية الأخلاق في استنساخ الكائنات الحية أو التدخّل البشري لتعديل الجينات في مادة الأحياء.
• استخدام الحالات الواقعية لتعريف الطلاب على المعضلات الأخلاقية وتشجيعهم على التفكير في الحلول الأخلاقية الصحيحة لها. وأنا أقترح تنظيم زيارات مدروسة للطلاب للشرطة، المرور ودور القضاء؛ ليعيشوا التجربة ويتلمَّسوا أهمية وصعوبة وضع القوانين، وخطورة كسرها وصعوبة إطلاق الأحكام وتطبيق العقوبات.
• توفير الأدوات والموارد المختلفة لتعزيز تدريس المعضلات الأخلاقية، مثل الكتب، والمقالات، والفيديوهات والبرامج التعليمية حتى الأفلام الجدلية؛ لتعزيز فهم الطلاب المفاهيم الأخلاقية المختلفة.
• تبنّي طريقة التطبيق العملي في التعليم كوضع وتنظيم قائمة القوانين، والمكافآت والعقوبات في المجتمع المدرسي، وذلك لتحفيز الطلاب على تطبيق القيم الأخلاقية في الحياة اليومية، وفي تعاملهم مع معلميهم ومع بعضهم البعض.
• طالما شجّع الكثير من التربويين على التعليم باللعب، وشخصيًّا أجده أفضل وأقوى أنواع التعليم، إضافة للمتعة. ويزيد المردود التعليمي بخلق تحديات تستفز عقول ومشاعر الطلبة. مثلًا، يمكن تشجيع الطلاب على تجسيد أدوار تقدّم سيناريوهات مختلفة لمواقف تتضمن مشكلات أخلاقية. مثلًا، تقسيم الطلاب إلى مجموعات صغيرة، وتوفير مجموعة من المعضلات الأخلاقية المتنوعة بحبكات معقّدة، مثل معضلات أخلاقية في العمل، أو في المجتمع، أو في المنزل وغيرها. وتوفير بطاقات الأدوار المختلفة للمجموعات، مثل «صاحب القرار»، و«المستشار»، و«المحامي»، و«القاضي»، و«المتهم»، و«الشهود» وغيرها. ويتم إعطاء كل مجموعة بطاقة تحتوي على معضلة أخلاقية عشوائية وتوزيع الأدوار بينهم، ثم يتم إجراء النقاش في المجموعات حول طرق التعامل مع المعضلة بشكل أخلاقي، وتشجيعهم على الدفاع عن آرائهم بفعالية. ويتم بعد ذلك تدوير الأدوار؛ ليجرّب كل شخص أن يكون في موقع الآخر. سيساعد ذلك الطلاب على تطوير مهارات صنع القرارات، وتحديد وصقل مشاعر الحزم أو التعاطف مع الآخرين.
• التشجيع على تحميل واستخدام تطبيقات اللعب المفيدة، والتي تحتوي على سيناريوهات مشاكل أخلاقية مختلفة مثل تطبيق «كن القاضي» «Be the Judge».
تلك كانت بعض الأفكار التي يمكن استخدامها في تدريس الأخلاقيات والهدف هو جعل تجربة التعلّم مشوّقة، تفاعلية وفعّالة، وتشجيع الطلاب على التفكير بشكل نقدي وتأملي في المسائل الأخلاقية المختلفة.