آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 4:07 م

في وضع علم النحو «2»

زكي بن علوي الشاعر

أكان من شأن أمير المؤمنين - صلوات الله وسلامه عليه! - أن يضع علم النحو أو يأمر بوضعه؟!

أكان زياد بن أبيه حريصًا علىٰ تقويم اللغة؟!

أوجد الحجاج الثقفي وقتًا لينظر في شأن المصحف ولغته بعد أن هجره طمعًا في الدنيا ولما كان فيه من ضيق قبل عمله عند عبد الملك بن مروان؟!

بنو أمية وواليهم زياد بن أبيه وواليهم الحجاج ليسوا ممن يحرص على العلم والتعليم؛ لأن الملك يشغلهم عن العلم والتعليم.. فإن فعلوا شيئًا من ذٰلك، فإنما هي السياسة! بمعنىٰ أن الناس ضجوا من اللحن والخطأ في القرآن واللغة، فأمر أحد ولاتهم بوضع علم/علاج يقوِّم اللسان، وقد يجدون في ذٰلك إشغالًا للناس عن الأحداث السياسية التي لا يريدون أن يفرغ لها غيرهم!!

واستئذان أبي الأسود الدؤلي زيادًا أو غيره يعني خضوعه له في كل ما يهم بفعله - ولم يكن أبو الأسود مواليًا لبني أمية وعمالهم فيستأذنهم في شأن علمي أو ديني - أو أنه وضع علم النحو رجاء دنيا، ولا أظنه بذٰلك الخالط للدين بالدنيا، بحيث إن أعطي وكوفئ ووُصِل، وضع ما ينفع الناس في دينهم، وإن لم يوصل ويكافأ، لم يضع علمًا ينفع الناس في دينهم - وهو قراءة القرآن وفهمه - والنحو من علوم القرآن، ولا ريب.

ودخول الحجاج في ضبط المصحف/تنقيط المصحف مبالغة في وصفه بالاهتمام بالقرآن، بينا هو قد هجره، ولا يليق هٰذا السيناريو، إلا بمسلسل ثانٍ يصور حياة الحجاج، نضيفه إلىٰ مكتبة المسلسلات العربية الفلوكلورية، أو الكارتونية.

وزياد ابن أبيه والحجاج لم يشغلا أنفسهما، إلا بإرضاء بني أمية - كما تقدم - وبنو أمية لم يحرصوا علىٰ تعليم الناس؛ بل حرصوا علىٰ تجهيلهم.

أما أمير المؤمنين - صلوات الله عليه! - فلا ريب عندي في أنه أعلم الأمة بعد نبيها - ﷺ - بل أعلم الأولين والآخرين، وليس أعلم منه إلا رسول الله - ﷺ! - وإن من شأنه الاهتمام بالقرآن؛ إذ هو عدله..قال ﷺ: ”إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به/بهما لن تضلوا... كتاب الله وعترتي أهل بيتي...“، وعلي - صلوات الله عليه! - سيد العترة، بلا نزاع أو خلاف؛ فهو عدل الكتاب، وهو الذي لا يفارقه الكتاب، وهو من يهتم بالقرآن الكريم/الكتاب، وهو أعلم الناس بالكتاب، وأولى الناس بأن يحفظ الناس الكتاب، من اللحن وغيره.

لقد شككت في مضامين الروايات التاريخية، عند الكلام فيها، في الحلقة السابقة؛ ولٰكني لا أشك في حفظ الله تعالىٰ كتابه بأمير المؤمنين فبنيه من بعده - صلوات الله عليهم! - ويبقى الأمر رهن تصوُّر طبيعة الأشياء والأحداث؛ فعلي - صلوات الله عليه! - كان يعلم الناس ويقرئهم القرآن، ولا أشك في تعليمه العرب والعجم/الموالي، لا فرق عنده بين عربي وعجمي، ولا حر ومولًى.. هٰذه طبيعة علي وطبعه وخلقه صلوات الله عليه.

ويبقى الكلام في أين ما أملاه علي - صلوات الله عليه! - علىٰ أبي الأسود؟ ولم لم ينسخه كابر عن كابر ثم يشرحه ويحتج به الناس من بعده ؟! فعلي - صلوات الله عليه! - حجة عند المسلمين جميعًا؛ بل إن العقلاء والحكماء من غير المسلمين يحتجون بكلام علي - صلوات الله عليه! - ذٰلك أن كلامه كله من قبيل القضايا التي دليلها معها؛ إذ إنه يخاطب العقول؛ ولٰكنه لم يمكن.. بل شغلوه بحروب أرجعت البشرية إلى الوراء، حتىٰ عصرنا هٰذا! ذاك علي بن أبي طالب صلى الله عليه.

أقول: إن المصطلحات النحوية نشأت من التعليم؛ فالضم من ضم الشفتين، والفتح من فتحهما، والمقرئ يقول يقول لتلميذه الذي يقرأ عليه: ضم شفتيك/افتح شفتيك... ارفعهما/انصبهما... اكسر حنكك/اخفض حنكك... ليضم ويرفع، وينصب ويفتح، ويخفض/يجر ويكسر.

أما ما هو من قبيل مصطلح الفاعل والمفعول...، فهو - في نشأته - موضوع للعجم/الموالي الذين يفهَّمون اللغة وقواعدها بمثل هٰذه الألفاظ والكلمات السهلة اليسيرة، حتىٰ قامت وغدت مصطلحات بعضنا - نحن العرب - لا يفهمها اليوم!!

وشيئًا فشيئًا تكامل علم النحو، وكان يدرس مشافهة، وكان يضم التصريف والتجويد في تصوري أيضًا، وغير ذٰلك: من بلاغة... حتىٰ فصلت، وما المصطلحات ووضعها والتواضع عليها إلا تدرج.

لم يكن هنالك كتب مفصلة تفصيل كتاب سيبويه في نظري القاصر، وكتاب سيبويه يجمع كل ما مر، وفيه مصطلحات تضم عبارات اختصرت في مفردات بعد! أما الكتب والرسائل قبله، فما هي بالنحو.. إنما هي لغة عامة، وشرح لأفكار تعين القارئ/المقرئ علىٰ تدريس ما ينفع الطالب في تقويم لسانه، والأهم أن يقيم ويجوِّد قراءة القرآن الكريم.

لم تكن ثمة مدونات! فإن كانت، فهي رءوس أقلام، وأفكار، وشواهد مما يخطئ المتعلم فيه، وقد سمعها شيخه فدوَّنها، وكلما سمع لحنًا دوَّن ما يعينه علىٰ إصلاح اللحن والخطأ «الشائع».. ولتقل إن شئت: لم تكن ثمة كتب! كانت هنالك ما نعرفه اليوم ب «المذكرات/النوتات»، ونصوص دينية وأدبية يشرحها المعلم، حتىٰ دونت المسائل، ثم جمعت وفصلت ودققت، ووصلنا إلىٰ مستوىٰ كتاب سيبويه، ومستوىٰ ما قبله، ثم طورت علوم العربية بعده، وإن كتب في اللغة مثل معجم العين؛ ولٰكنه كما ترىٰ! وحاله في اللغة حال كتاب سيبويه في النحو.. هٰذا إن قلنا: إن معجم العين للخليل!

أرجو ألا تستدعي هٰذه الحلقة حلقة ثالثة!