آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

الروزنامة المهلهلة

أثير السادة *

كان يمكن لمدرس التاريخ في المدارس المحلية أن يقف هذا الصباح متحدثا عن أبي طالب، عم النبي ووالد الإمام علي، عن سيرته وشجاعته وأدبه وأخلاقه، وعن دوره وبطولته في يوميات حصار بني هاشم، تماشيا مع الروزنامة المقدسة التي تقترح هذا اليوم مناسبة لإحياء ذكرى وفاته، أقول كان ذلك ممكنا، إلا أن الطلاب في هذا الإقليم قد اعتادوا البحث عن هكذا مناسبات من أجل التعطيل، تعطيل الحضور الدراسي، والتعلق بساعات نوم مشتهاة، وهم يجتهدون في صيانة روزنامتهم إياها وتوسيعها لتصبح فسحة للتمدد في أسرة النوم عوضا عن المشي في دروب التاريخ والتوسع في فهمه.

من له غصن في شجرة الذاكرة، يعلم تماما بأن هكذا مناسبات كانت فرصة بالأمس للاغتسال بماء الهوية، لمحاربة الغياب في لحظات التخثر الطائفي، يتنفسون بها ومن خلالها، وهم يلوحون بمحطاتهم التاريخية الخاصة، ويؤثثون المكان بحقائب من حزن وفرح منثور بلا حد ولا عد، كانت الحاجة إلى عناوين تهب الجماعة تعريفها بنفسها سببا لصيانة هذه الروزنامة المقدسة، غير أنها لم تكن بهذه الكثافة، وهذا الاتساع، إلى الحد الذي يوحي بالعبث بمعنى المناسبة، وقيمتها، ووظيفتها.

طوال السنة يبحث الطلبة الذكور عن صباحات مغلقة، يحتشدون عندها، ويتظافرون على رفعها عن النسيان، تكاد ثقافتهم من سيرة الأمس لا تتجاوز هذه الشقوق التي تهبهم النظر إلى تواريخ خالية من أي شيء، إلا عنوان ”التحاريم“، مسمى التحاريم الذي جرى النفخ فيه ليصبح عبأً اجتماعيا وثقافيا وتربويا، حيث التدرج لجعل أيام السنة تعطيلا حتى عن فريضة التعليم.

في مدننا، صارت هذه الروزنامة تعج بالأسماء والمواعيد، إلى الحد الذي يمكن أن تحدث فيها الوفاة لواحدة من الشخصيات المقدسة ثلاث مرات خلال السنة، تحت يافطة التعدد في الروايات، طرق مختلفة يجري اتخاذها بذكاء لتطول القائمة في كل عام، دلالة على جدية البحث عند هذا الطيف من الطلاب من أجل الحصول على المزيد من أيام التعطيل.

هي معضلة اليوم، لأن من يحاول ترجمة هذه المناسبات إلى عطل غير معلنة، تجاوز معنى المناسبة، ودلالاتها الاجتماعية والثقافية، ليثقلها بأسئلة تتصل بالأبعاد التربوية والتعليمية والتاريخية للمناسبة، فهذه الحماسة المدعاة والتي تدعي التكريم لشخوص المناسبة، جلبت الكثير من الظنون حول المنطق الديني الذي يسوغ لها، ويهبها الغطاء ولو بالصمت، فما كان فرصة ثقافية للشعور بوحدة الجماعة، وبإرثها الثقافي، أصبح عقبة في طريقة تنميتها بل وتكريس طبائع الإهمال فيها.

والحال أن الصفوف الخالية في مثل هذا اليوم قد تشتاق لمناسبات أكثر، تحتفي فيها بذكريات مشتهاة، من خلال الغياب، والتعطيل، والنوم، وربما بالانصراف عن التفكير في قيمة الفعل وماهيته، قد يبتكر الطلبة المشغولون بتطريز روزنامات الغياب عناوين جديدة لتوسيع حدود ”التحاريم“، وربما تصبح المعارك الإسلامية، والمواليد، وربما رموز الجماعة في ضمنها، لينتهي الأمر إلى عبث بالذاكرة والحاضر والمستقبل على حد سواء..