الشهرة بين الفلسفة والواقع
يضع الفيلسوف «أبيقور» الشهرة ضمن الرغبات غير الطبيعية وغير الضرورية؛ لأنها تصدر عن رأي باطل - حسبما يرى - ويعد السعي وراء السمعة وهما ينخدع الإنسان به. كما يرى في تصنيفه الثلاثي أن هناك من الرغبات ماهو طبيعي وضروري كالأكل والشرب والنوم، وماهو طبيعي وغير ضروري كالكماليات التي لو تم الاستغناء عنها فهي لاتسبب ألما.
ومن المعروف عن المدرسة الأبيقورية أنها تتبنى فكرة العيش البسيط المرتبط بالحكمة التي تعتبر أساس الفضائل كلها، فلا يمكن أن تتحقق السعادة بغير الحكمة والنزاهة والعدل. وقبالة هذه الرؤية الفلسفية التي انبثقت قبل الميلاد واقع يفرض نفسه، فالنظرة إلى الشهرة تختلف من حقبة إلى أخرى، فأبيقور يرى في حكمه الأساسية أن طالبي الشهرة يعتقدون أنهم سيكونون في مأمن من الغير، وهو لا يعتبر أية لذة شرا في نفسها؛ ولكن بعض الأشياء القادرة على توليد اللذة تحمل معها آلاما أكثر من اللذات نفسها، ومن هنا فهو يأخذ موقفا من الهالات الزائفة التي تعرقل حركة الإنسان، وتحرف مفهوم السعادة.
إن الشهرة التي حصل عليها الفنانون أو الرياضيون أو الكتّاب وغيرهم جاءت نتيجة كدح متواصل لسنين طويلة حتى بزغت نجوميتهم، ولم يأت هذا الاستحقاق بين ليلة وضحاها. أما مع مطلع الألفية الثالثة تغير إيقاع الزمن وزادت أعداد المشاهير من طبقات اجتماعية مختلفة، فماعادت الشهرة حكرا على أحد، بفضل الإعلام الجديد ووسائط الميديا، وصدقت نبوءة الفنان الأمريكي «آندي وارهول» الذي قال في ستينات القرن العشرين: ”في المستقبل سيحظى أي شخص بالشهرة خلال 15 دقيقة“، ولو عاش إلى لحظتنا المعاصرة لرأى أن ذلك يحدث في أقل من ذلك.
وفي مسافة بعيدة من ذائعي الصيت وكائنات الأضواء ثمة موهبون يقبعون في الهامش، كشعراء الظل ولاعبي «الحواري» في مجال كرة القدم، والكوادر الخفية في المجتمع الذين يعملون في دوائرهم المحدودة بصمت، ربما لأن طبيعتهم قادتهم إلى ذلك، وربما لم تتح لهم الفرصة ولم تتهيأ لهم رافعة إعلامية تعلي من شأنهم، وتقدمهم كما ينبغي.
نسبة الشهرة تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والظروف، مثلما عبر عنها «دانتي» صاحب الكوميديا الإلهية بكونها مثل لون العشب؛ يأتي ويختفي. زبدة القول: قد تكون وساما شرفيا يستحقه صاحبه، وقد تكون نتيجة هوس في صورتها السلبية، كاللهاث وراء زيادة المتابعين في مواقع التواصل الاجتماعي، والظهور المتكرر بالمحتوى الهابط أو العادي الذي لايرتقي بالذائقة.