ثلاث محطات في الإعلام السعودي اليوم
خلال أقل من شهر واحد، مر الإعلام السعودي بثلاث مناسبات متعاقبة، سيكون لها أثر عليه بأشكال مختلفة، لأن هذا الإعلام بات اليوم واحداً من الوسائل المؤثرة في تشكيل الرأي العام، وصناعة وعي مجتمعي، إذا أحسن العمل عليه بمهنية وصدقية وموضوعية، سيجعله أداة تساهم في التنوير ونشر أفكار مدنية، وأيضا أحد رافعات ”رؤية المملكة 2030“، لأن هذه ”الرؤية“ الطموحة جدا، لا بد أن تواكبها صحافة محترفة، قادرة على ملامسة ملفات حيوية تهم الناس، وأيضاً لديها الكوادر الصحافية المؤهلة للكتابة والبحث الاستقصائي وصياغة التقارير المتنوعة، بلغة عصرية، غير متكلسة، قريبة من القارئ، تستند للمعلومة والتحليل العلمي، وبعيدة عن الحشو الزائد!
الحدث الأول، كان ”المنتدى السعودي للإعلام“، الذي عقدت نسخته الثانية في العاصمة الرياض فبراير المنصرم، بمشاركة عدد كبير من الصحافيين والناشطين في وسائل التواصل الاجتماعي، من داخل المملكة وخارجها.
في المنتدى، أشار الرئيس التنفيذي لـ ”هيئة الإذاعة والتلفزيون“ محمد الحارثي إلى أن ”تطوير الإنسان هو جوهر «رؤية السعودية 2030»، وأن الإعلام جزء أصيل في عملية التطوير“، معتبراً أن ”تنامي الوعي الاجتماعي يتطلب من مجتمع الإعلاميين أن يواكب التغيير ويستجيب لهذا المحفز الجديد“.
إذن مركزية ”الإنسان“ في ”الرؤية“، تحتم أن تتم أنسنة الإعلام، بمعنى جعل ”المواطن“ محور اهتمام الصحافيين، وتناول القضايا التي تتعلق وحياته اليومية، وأيضا، تلك التي تخص مستقبله وتطور مجتمعه، إضافة إلى الاشتغال على أن يكون هو جزء من هذا الإعلام، من خلال تجويد الموضوعات كي يتفاعل معها، ويشعر بأن الصحافة ليست مجرد أوعية لنقل الأخبار التي تصل سريعاً عبر آلاف الحسابات في وسائل التواصل الاجتماعي، وإنما أبعد من ذلك، بوصفها منصات للتحليل وتقديم آراء متعددة تتسم بالعمق والدقة والبعد عن الأخبار الكاذبة والمضللة.
هذا الأمر يتطلب أن يكون هنالك تدريب للصحافيين، يجعلهم يمتلكون الأسس المتينة، وترسخ لديهم ”أخلاقيات المهنة“، التي تراجعت بشكل ملحوظ وسط دخول أعداد كبيرة من الناشطين في شبكات التواصل الاجتماعي، والذين كثير منهم ليست لديهم الخبرة الكافية، وإنما استفادوا من الشهرة التي تسنت لبعضهم، ليكونوا مؤثرين دون محتوى حقيقي، وهي مسألة تحتاج لنقاش حيوي وهادئ، كي لا تكون هنالك اصطفافات حادة بين أنماط الإعلاميين المختلفة!
الحدث الثاني، كان الذكرى العشرين لتأسيس قناة ”العربية“، والتي تصادف 3 مارس الجاري. حيث تمتلك ”العربية“ اليوم شبكة واسعة من المنصات المؤثرة، ليس في الخليج العربي وحسب، بل في مختلف الأقطار العربية، خصوصاً أنها رفدت عملها بقناة ”الحدث“، والتي باتت واحدة من أكثر القنوات حضوراً في العراق ولبنان والمغرب وسواها.
”العربية“ التي تعمل على تنويع خدماتها، ستركز في المرحلة القادمة على ”التوسع الرقمي، والذكاء الاصطناعي، واستمرار الصدارة الإقليمية، والتوجه نحو الريادة العالمية“، بحسب ما أوضح رئيس مجلس إدارة ”مجموعة MBC“ و”العربية“ وليد بن إبراهيم آل إبراهيم.
التقنية لدى ”العربية“ تأتي مقترنة بالعمل الميداني، وتحري الدقة، وهو ما أكد عليه المدير العام لشبكة ”العربية“ ممدوح المهيني، الذي قال إنه ”على امتداد سنواتها العشرين عملت“ العربية ”على أن تكون مصدراً موثوقاً للأخبار، بفريق من الصحافيين والتقنيين، الذين واكبوا الأحداث ونقلوها إلى المشاهد العربي حيثما كان“، وهي في سبيل ذلك، تعرضت للتهديد من المجموعات ”الإرهابية“، وسقط عدد من صحافيي المحطة ضحايا، فضلاً عن حملات التشويه التي قادها المتشددون!
الحدث الثالث، الأمر الملكي الذي أصدره الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، في 5 مارس الجاري، بتعيين سلمان بن يوسف الدوسري وزيراً للإعلام، وهو قرار يهم العاملين في الصحافة السعودية، خصوصاً أن الدوسري كان صحافياً، وعمل في أكثر من وسيلة إعلامية مهمة، وهو يعرف ما يحتاج له الصحافيون، والمشكلات التي يعانون منها، وأهمية تطوير أداء الإعلام في المملكة، لكي يكون على ذات المستوى مع ”رؤية المملكة 2030“.
الصحافيون اليوم بات واحدٌ منهم على سدة ”وزارة الإعلام“، ولذا عليهم أن يطوروا من طرائق عملهم، وأن يناقشوا سبل تحديث نظام المؤسسات الصحافية في المملكة، وكيف من الممكن خلق بيئة أكثر تنافسية، وقادرة على التفكير خارج الصندوق، واجتراح حلول للمشكلات المالية والإدارية التي تعاني منها عدد من المؤسسات الصحافية، وأعتقد أن المفتاح الأساس لذلك هو: جودة المحتوى، ودعمه بالحقائق والمعلومات، حداثة المنتج، قربه من الناس، أسلوب التقديم.. وهذه الأسس إذا تم الأخذ بها، إضافة للاستثمار في ”الإعلام الجديد“، وتقديم منتجات تجذب المتابعين لشرائها، سنجد أن الإقبال سيكون أكبر، والمداخيل المالية ستنمو.
يحضر الإعلام السعودي اليوم بقوة عربياً، والمحطات الثلاث المشار إليها، يجب أن تكون دافعاً للصحافيين جميعاً نحو المزيد من التفكير الخلاق، والإيمان بقدراتهم على تقديم الأفضل.