آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 3:22 م

بنات إيران وبنات السعودية!

ميرزا الخويلدي * صحيفة الشرق الأوسط

حين يكون المجتمع مغلقاً، تصبح الأعمال الأدبية التي تتضمن كشفاً أو بوحاً مهما كان صغيراً وهامشياً ضرباً من الإثارة...!، ومع الانفتاح تتكسر أسوار الخصوصيات، وتتساقط التابوهات، وتصبح أسرار الأمس حكايا اليوم الرتيبة.

في خمس سنوات تجاوزنا في السعودية هذا الفاصل...! من يصدق أن رواية «بنات الرياض» مثلّت في وقتها صدمة في المحتوى قبل القالب الروائي... أما اليوم فبنات الرياض في وسط الميدان يمارسن أنواع الاشتغالات كافة التي يمارسها الرجال... وبكفاءة أعلى أحياناً... وليس ثمة صدمة...!

قبل سنوات حاولتُ قراءة رواية إيرانية أثارت وقتها ضجة هائلة هي رواية «أن تقرأ لوليتا في طهران» للكاتبة والأكاديمية الإيرانية آذار نفيسي، هذه الرواية تُرجمت إلى أكثر من 30 لغة واعتبرت من أعلى الكتب مبيعاً في الولايات المتحدة... لكن كل ذلك الثناء على الرواية لم يمكنني من المضي قدماً في إكمالها... كنت أراها رواية منفوخة بالآيديولوجيا والأحكام المعلبة والتشبيح السياسي... بل ظننتُ أن الاهتمام بها هو الآخر مصطنع لتلقف الغرب تحديداً كل أشكال التحرر الديني القادم من الشرق، فما بالك إذا كان أيضاً مصحوباً بانشقاق سياسي صارخ ضد الحكم الديني في إيران.

بعد الأحداث الأخيرة، في إيران، وخروج النساء يطالبن بالحرية، عدتُ لقراءة هذه الرواية، كما رواية «بنات إيران» للروائية ناهيد رشلان، لكن تعثرتُ مرة أخرى بحجم الانفعال السطحي للروايتين... كلاهما بدا وكأنه منشور سياسي وآيديولوجي موجه للغرب للحصول على انتماء وصناعة هوية جديدة، تماماً مثلما يفعل بعض الشباب والشابات الذين يعلنون الإلحاد لا عن قناعة وإنما للحصول على حاضن غربي.

ثمة مشكلة كبيرة في إيران تتمثل في الاستبداد السياسي والديني، إذا تمّ تفكيك هذه المنظومة التي تغطي تحتها كل أنواع الشرور والفساد فستختفي تلقائياً معاناة المرأة مع «شرطة الأخلاق»، وتختفي القوة التي تجبرها على ارتداء أو نزع الحجاب... أما الانشغال عن هذا الهدف بالتصويب تجاه الحجاب نفسه، أو تجاه الدين فهو مجرد استفزاز للسواد الأعظم من الناس، ويثبت أن المعركة ليست ضد الاستبداد المقنع بالدين وإنما مع الدين نفسه.

الأكاديمية الإيرانية، آذار نفيسي، في رواياتها «أن تقرأ لوليتا في طهران» كما الروائي الجزائري واسيني الأعرج في روايته «أصابع لوليتا» كلاهما يستعير الاسم والمعنى من الروائي الروسي المهاجر إلى الولايات المتحدة فلاديمير نابوكوف، في روايته «لوليتا» الصادرة في 1955 بعد أن هاجر إلى الولايات المتحدة وأصبح معارضاً للحكم السوفياتي.

نابوكوف اختار أن يصدم القراء برواية «شبه إباحية» سماها «لوليتا» تمّ منع نشرها في البدء في أميركا، قبل أن تصبح واحدة من أهم الأعمال الجريئة التي تقدم على خشبة المسرح في «برودواي» وظلت تصعد حتى أُدرجت في قائمة أفضل 100 رواية في القرن العشرين... اختار نابوكوف رواية تتحدث عن سفاح المحارم والعلاقة المحرمة مع طفلة قاصر، ليصوّب تجاه مظاهر التدين الخادع في المجتمع الأميركي... عدا عن جرأة السياق الذي اختاره للرواية فإن المعنى بدا وكأنه متعسف... كان الرجل يعاني من اضطهاد السوفيات، وخاصة بعد أن قتلوا والده عبر عملاء سريين فراح يكتب أعمالاً سياسية في إطار أدبي مثل مسرحيته المعادية للسوفيات «رجل سوفياتي» ثم روايته «الملك - السيدة - الخادم» وغيرهما...

الأمر مختلف لدى واسني الأعرج، الرواية صدرت عام 2014 وقد شهد المؤلف ذروة صعود التيار الديني المتشدد في الجزائر وتمدده نحو المنافي في أوروبا وخاصة فرنسا، لكنّ الرواية لم تقف عند ظاهرة الإرهاب الديني، بل حفرت في أسبابه التاريخية، والتي أرجعها واسيني لقيام أنظمة سياسية مستبدة مارست القمع والقهر ومهدت لنشوء وتغوّل الحركات الأصولية.. رواية واسني أنضج كثيراً مما سبق؛ لأنها تعتبر فشل الدولة الحديثة في بناء نظام عادل وديمقراطي أسهم في إشاعة الفساد ونمو الفكر المتشدد... في رواية واسيني «أصابع لوليتا»، تحمل بطلة الرواية الشابة المهاجرة التي تعمل عارضة أزياء «لولا» جرحاً نادباً في القلب؛ فهي تعرضت في سنّ المراهقة لاغتصاب من والدها... لعل هذا الرابط يلتقي مع لوليتا الأصل في رواية نابوكوف... لكنّ جميع هذه التجارب الثلاث أرادت التعبير عن اشمئزازها من الاستبداد الديني.

رغم التراكم في التجربة لصالح المرأة الإيرانية؛ تبدو المرأة السعودية أكثر ارتياحاً اليوم بعد خمس سنوات من «الرؤية»، ما فعلته تلك الرؤية أنها فككت القيود وحررت المرأة من أي أغلال قاهرة مهما تلطت بالدين... ومنحت المرأة السعودية حق الاختيار بينما في إيران تمادى النظام الثوري خلال أربعين عاماً في تجريد المرأة من حقوقها... أهم تلك الحقوق التي تتمتع بها المرأة السعودية اليوم وتناضل من اجلها المرأة الإيرانية هو حق الاختيار... أليس الدين في جوهره هو منح الإنسان حق الاختيار وتحريره من الأصفاد...؟، أليست الحرية هي جوهر الدين...؟!