هل الأطباءُ جزءٌ من مشكلة السُّمنة؟!
استكمالاً للمقالتين السالفتين، عن العلاقة بين الثقافة العامة وتزايد معدلات السمنة بين الناس؛ نجد أن جزءاً رئيساً من المشكلة يأتي من داخل بعض المؤسسات الصحية ذاتها، والتي يفترض بها العمل على زيادة الوعي بين أفراد المجتمع، إلا أنها حبيسة طرائق تفكير نمطية، ونتائج دراسات قديمة، كثير منها أثبتت التجارب سقمها، بل هنالك أبحاث حديثة تنقضها وتحذر من مخاطرها!
جزء من هذه الدراسات المزعومة أيضاً، التي قادت لتفشي السمنة فاقدة للاشتراطات العلمية.
هذه المؤسسات الصحية فريقٌ من القائمين عليها، سواء من أطباء أو معالجين أو من يعملون في التمريض والمختبرات والتأهيل والتغذية، رهطٌ منهم يعانون بالأصل من ”السمنة“، وتراهم في أثناء تناولهم وجبات الطعام يأكلون السكر والكربوهيدرات المكررة والأغذية المصنعة ويحتسون المشروبات الغازية!
تراهم خارج بعض مباني المستشفيات يقفون بلباس العمل الذي لا تخطئه عين، بمن فيهم أطباء برتبٍ عالية، يقفون وهم يدخنون، وبعدها يرجعون لمعاينة مرضاهم ووصف العلاجات لهم والاعتناء بهم! لك أن تتخيل أي عناية ستكون.
كما يُقالُ: فاقد الشيء لا يعطيه! كيف لهؤلاء الأطباء أن يقدموا علاجات ناجعة للمراجعين، فيما هم قد يعانون من أمراض ”مزمنة“، وكثير منهم مصابون ب ”مقاومة الإنسولين“، بل قد تسمع بعضهم وهم يتهكمون على الحميات الغذائية قليلة النشويات، ويحذرون من حميات أخرى مثل: الكيتو، والكارنيفو.
هي ببساطة، ضعف النفس البشرية من جهة وهرولتها خلف الملذات الزائفة من أكلٍ وشربٍ، ومن جهة أخرى عدم تغيير أنماط التفكير الكلاسيكية والبقاء في مربع القراءات المدرسية إبان فترة التعليم الجامعي.
إن الأطباء حريٌ بهم أن يكونوا قادة لتغيير الثقافة السائدة في بيئاتهم، ويسائلوا أفكارهم، ويقرؤوا الأبحاث الحديثة حتى تلك التي يعتقدون بأنها بعيدة عن تخصصاتهم، لأن جسم الإنسان مترابط، ويؤثر كل عضو بطريقة أو أخرى في الآخر.
كما أن المقولات النمطية المكررة والمملة آن لها أن تتغير، وينتبه القائمون على مراكز التثقيف في الهيئات الصحية أن جزءاً من المعلومات التي يروجون لها في نشراتهم التثقيفية تقود لعادات غذائية خاطئة، وبالتالي تزيد من نسبة انتشار ”السمنة“ عوض أن تقلل منها.
أمثلة كثيرة يمكن سردها تحتاج لأكثر من مقالٍ منفرد، ولك نموذج سريع، فمثلاً: في أيام عيد الأضحى، يتم التحذير من كثرة تناول اللحوم الحمراء، وأنها ”تحتوي على نسبة عالية من الدهون المشبعة، والإكثار منها يرفع مستوى الكوليسترول الضار، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية“؛ وهو تحذير مليء بالأخطاء العلمية، فلا ”الدهون المشبعة“ تشكلُ خطراً على الصحة العامة، ولا اللحوم الحمراء ترفع نسبة ”الكوليسترول الضار“ في الجسم!
ماذا عن تناول الأرز بشكل يومي أثناء فترة العيد؟ وماذا عن حلويات العيد التي كثير منها تصنع من السكريات المكررة ودقيق القمح المعدل وراثياً، وتقلى في الزيوت النباتية المهدرجة، وتوضع بها الأصباغ والمنكهات الاصطناعية، والتي هي المسبب الرئيس لـ ”أمراض القلب والأوعية الدموية“ وليس اللحم الأحمر، الذي يعتبر مصدراً لكثير من الفيتامينات والمعادن، خصوصاً إذا كان من مواشي تتغذى على العشب ولا تحقن بالهرمونات والمضادات الحيوية المصنعة.
هنالك بالتأكيد أطباء على درجة من الوعي الغذائي والصحي، وهنالك منشورات ثقافية تنتجها المراكز الطبية فيها فائدة للجمهور العام؛ إنما هنالك أيضاً خللٌ بّينٌ يحتاج لنقاش وتصحيح.. وللحديث تتمة.