آخر تحديث: 19 / 4 / 2024م - 1:33 ص

قراءة في كتاب «المطيرفي والذاكرة»

علي عيسى الوباري *

حين يؤلف كاتب مهتم بالشأن الثقافي والاجتماعي كتابا أسس من قبل موقعا اخباريا يهتم بشئون الاحساء المختلفة هذا يدل على أن المؤلف يهتم بالمجتمعات وتاريخها، ويؤمن بضرورة توثيق حياة الأشخاص الذين عاش معهم في موقع جغرافي «قريته» وشارك مع أخوة وأصدقاء في التنمية المجتمعية الشاملة.

يعتبر تأسيس موقع الكتروني اخباري ثقافي في زمن الصحف والمجلات الورقية استشراف للمستقبل ومعرفة مسبقة بأن المواقع الالكترونية هي المنافسة للجرائد والمجلات التقليدية التي اعتاد عليها القارئ بل ستكون هي المسيطرة اعلاميا خصوصا في مناخ ثقافي لا يزال يعتقد أن استبدال الصحف بالمواقع الالكترونية مخاطرة وسابقة لأوانها قبل 20 سنة وربما تبؤ بالفشل، ما فعله الأخ العزيز الاستاذ عبدالله عبدالمحسن الجاسم في موقع «المطيرفي الاخباري» خطوة جريئة بإمكانيات محدود، استمر الموقع الاخباري والثقافي كأحد الواجهات الاعلامية ينقل وينشر نشاطات وبرامج الاحساء الاجتماعية والثقافية، ووجد كتاب المقالات والخواطر والشعر فيه ضالتهم بنشر ما يكتبوه وتوثيق الفعاليات، موقع المطيرفي الاخباري المعبرعن بلدة ارتبط تاريخها القديم بشخصيات مميزة وبمواقع أثرية تاريخية وعيون مياه وأنهار، المطيرفي بموقعها الجغرافي الشمالي بالنسبة للإحساء التي تبدأ منها نسائم الهواء وتسبق غيرها بجني الرطب وثمار الأشجار التي تسبق ما بعدها في الموقع الجغرافي جنوبا، المطيرفي لها من نظرية الشمال الاقتصادية نصيب فهي تمتاز بخصوبة التربة وعيونها المائية ويتميز أهلها بالكدح والسعي للرزق واثبات الذات.

مشروع ثقافي توثيقي ما قدمه ابومحسن في كتابه الثري «المطيرفي والذاكرة» وعنوان فرعي «شخصيات عاصرتها وعرفتها» بتاريخ البلدة الطويل تستحق ما يكتب عنها وعن شخصياتها الذين لهم تاريخ اجتماعي كريم بعلاقة أخوية وصداقات شخصية مع الكاتب.

بدأ المؤلف كتابه بمقدمة جميلة عن ملامح المجتمع الريفي القروي الأصيل الذي يعيش الألفة والتكافل والتضامن يبدأ مجتمعا صغيرا متحابا ينمو منسجما يعرف بعضه البعض ويتداخل بالنسب والمصاهرة ويعزز العلاقات الأسرية بالحب والتعاون.

القرية الاحسائية لها خصائص ربما تختلف عن القرى التي تحدثوا عنها علماء الاجتماع، مجتمع يجمعه المكان المقدس مثل المسجد والحسينية والفعاليات الدينية والاجتماعية والزيارات العائلية وإصلاح ذات البين يتميز بالطيبة والبساطة والحيوية والتكافل والحفاوة.

التربة الاحسائية متزينة بالنخيل والأشجار المتنوعة ومحاطة بعيون وأنهار وأن اختفت هذه الأنهار ونضبت أغلب العيون لكن ما زالت في ذاكرة الأجداد والآباء الذين ينقلونها إلى ابنائهم بحسرة وألم.

كتاب المطيرفي في الذاكرة مكون من 269 صفحة، قسمه المؤلف إلى 5 أقسا، بدأ المؤلف بالقسم الأول، بعنوان المطيرفي في الوجدان ذكر موقعها الجغرافي وحدودها مع ما يجاورها من قرى ومدن وشكلها القديم، ذاكرا عيونها، وتطرق إلى الاحياء والسوابيط، السوابيط تقترن بأسماء اصحابها ومن قام بها، الساباط هو على شكل ممر بين جدارين بشارع مسقوف بجذوع النخيل أو الخشب للتظليل وحماية عن حرارة الشمس ويقصد للتجمع والجلسات.

كما ذكرالمؤلف في هذا القسم المحلات التجارية والدكاكين والبسطات وأصحابها وأيضا المساجد والحسينيات التي تعتبر من أهم مراكز التجمع بالقرية تمارس فيها العبادات الواجبة والمستحبة، وان كانت مواقع عبادة لكن تدور فيها احاديث اجتماعية ولقاء أخوة وأقارب وتفقد أخبار الأسر والأفراد وأشهر مسجد بالمطيرفي هو مسجد العباس وله تاريخ في ذاكرة المجتمع الشيعي يزار ببعض المناسبات. وتعتبر اقدم حسينية بالمطيرفي عمرها 150 سنة وهي حسينية المهنا، وحسينية الفضل أسست عام 1378 هجري. المساجد والحسينيات اماكن لتعزيز الروابط العائلية والاجتماعية وعلامة على انسجام وتعاون المجتمع.

كذلك تطرق بهذا القسم عن بعض الأنشطة المتعارف عليها بقرى الاحساء مثل الختمات ومراسيم الزواجات العائلية والجماعية والأنشطة الرياضية مثل تأسيس النادي عام1395هجري، وهي نقطة تحول بالعمل المؤسسي بالبلدة.

القسم الثاني ذكر فيه بعض العادات والتقاليد المتعارف عليها بقرى الاحساء مثل المقاهي الشعبية وما يحدث فيها من سرد قصص وحكايات وألعاب شعبية، كذلك ذكر المهن الحرفية مثل الزراعة والفلاحة وما تتضمنه من أعمال مساندة وذكر أدوات المنازل وما يستخدم في الزراعة من آلات، حتى انواع الملابس الرجالية والنسائية تضمنها هذا القسم ولم ينس ذكر مفردات وكلمات خاصة بالمطيرفي وهي مشتركة بقرى ومدن الاحساء ربما يختلف النطق أو تتبدل بعض الحروف.

في القسم الثالث تطرق الكاتب إلى المدارس وهناك مدراس تقليدية قامت بها عوائل يعلمون القراءة والكتابة والتلاوة القرآنية وتطرق إلى المدارس النظامية التي تعتبر نقلة نوعية في المجتمع بالمطيرفي، تأسست أول مدرسة ابتدائية رسمية عام1385 هجري، أيضا ذكر في هذا القسم شخصيات دينية علماء وشيوخ قاموا بأدوار متميزة في تنمية المجتمع وتوعية الناس على رأسهم الشيخ أحمد زين الدين الذي يعتبر تاريخ في ذاته وعلمه، وتطرق المؤلف إلى الخريجين الاكاديميين الذين بدأوا مرحلة جديدة في البلدة بمشاركتهم في تحسين وتطوير الخدمات مثل المعلمين والأطباء والمهندسين ورجال الأعمال.

القسم الرابع عنونه المؤلف «العلماء الذين لم يهاجروا وممن عاصرتهم» وثق اسماء شخصيات اعطت وما زالت تعطي ولهم بصماتهم في بلدة المطيرفي وكانت لهم تأثير إيجابي من خلال علاقاتهم مع المؤلف.

أما القسم الخامس والأخير فكتب عن شخصيات اعتبرهم اصدقاء وأخوة وعددهم 75 شخصية، ذكر صفاتهم وخصائصهم الشخصية وما تركوه من ذكريات في واقع المطيرفي وفي شخصية الكاتب، هؤلاء منهم مات ومنهم ما زال في عطائه، هم رفاق الدرب والنشاطات الاجتماعية، بنوا ذواتهم بجد واجتهاد وساهموا في تنمية مجتمع المطيرفي، اسهب المؤلف في ذكر الشخصيات وهذه دلالة على أن المؤلف ابومحسن له علاقات أفقية وعمودية مع أخوة من مختلف الأعمار ومتعددي الأدوار والنشاطات بحيث يرى الكاتب أن من ذكرهم منقوشة اسمائهم في لوحة شرف مدينة المطيرفي بما قدموه لمجتمعهم، ضحوا بأوقاتهم وأموالهم من أجل تطوير بلدتهم كل حسب ما يتقن.

انهى المؤلف كتابه بخاتمة مختصرة ذكر فيها علاقة المجتمع بالعمران القديم والحديث وبخصائص الافراد التي تشكل سلوكا نتجت عن معتقدات دينية وموروثات اجتماعية وتعليم واكتساب مهارات ساهمت في البناء والتنمية، ويرى الكاتب ضرورة الحفاظ عليها في زمن التغريب وطمس هوية المجتمعات التقليدية من خلال التدفق المعلوماتي والثقافي البعيدة عن موروثات المجتمع المتصالح والمتضامن والمتعاون وبالأمكان تعزيز قيمه بالعلاقات البينية بين الأشخاص والعوائل.

كتاب المطيرفي والذاكرة سلط الضوء على الفرد والمكان وما انتجه من عادات وتقاليد التي بها قام وأسس تاريخ بلدته بناء على موروثاته الدينية والاجتماعية وما اكتسبه من تعليم حديث وإدارة مؤسسية تنموية ساعدت على التغيير ومواكبة المتغيرات الاجتماعية والثقافية.

‏مدرب بالكلية التقنية بالأحساء،
رئيس جمعية المنصورة للخدمات الاجتماعية والتنموية سابقا.