آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 8:37 م

جعفر الغريب وأبو ياسر أحمد الوباري في عمل مسرحي «رحمهما الله»

علي عيسى الوباري *

المحاولات المسرحية في السعودية كانت بين المسرح التجريبي والمدرسي والأكاديمي والاجتماعي من خلال هواة التمثيل المسرحي يجمعهم حب أبو الفنون.

لصعوبة الأداء التمثيلي على المسرح لا تكفيه الموهبة فقط بل الدراسة والتدريب، مما جعل العمل المسرحي صعبا أيضا ندرة النصوص المسرحية والمتخصصين في الإخراج والكاتب المسرحي المحترف، فأغلب المهتمين بالمسرح يتحدثون عن أزمة النصوص المسرحية وصعوبة كتابتها وصياغتها في الوطن العربي خصوصا بدول الخليج العربي لذا كانت بداية المسرحيات بالدول العربية مأخوذة من أعمال مسرحية عالمية.

اختلف من كتب عن المسرح بالسعودية في بدايات الأعمال المسرحية بين جدة ابتداء من حسين فراج الذي بدأ كتابة المسرحيات 1932 وأحمد السباعي، وهناك من ذكر عنيزة في أعمالها المسرحية، لكن الأحساء كان لها السبق نحو عالم المسرح فكانت سباقة للمسرح المدرسي، قُدمت فيها مسرحية مدرسية عن كفاح الشعب الفلسطيني عام 1954.

الأحساء محبة للفنون وكثير من النشاطات الثقافية والفنية ازدهرت بها، فلا عجب أن تخرج منها أول جمعية للثقافة والفنون بالوطن تحت مسمى «جمعية الفنون الشعبية عام 1391 هـ جري».

كذلك للأحساء الريادة في تأسيس مسرح متميز، تم فيها تقديم مسرحية للطفل «ليلة النافلة» عام 1396 من تأليف وإخراج أحد رواد المسرح الوطني والخليجي عبدالرحمن المريخي رحمه الله.

البيئة الاجتماعية وثقافة المجتمع تساهم في خلق مناخ مسرحي، بيئة الاحساء الزراعية والاجتماعية بمهنها وحرفها تساعد في إيجاد واقع عمل زراعي في مكان محدود للحرث والزرع والجني، الطبيعة الخضراء تبعث على الراحة والانسجام وتؤدي إلى حوار فيه متعة وتوطيد علاقة بين العاملين المجتمعين، الأداء الجماعي يخلق محادثات كلامية وحركات جسدية لا تخلو من فكاهة للترويح النفسي، كذلك الأسواق الشعبية المنتشرة بمدن الأحساء وقراها منذ القدم توحي بمسرح دائم بين البائعين والمشترين، المكان المحدود يجمع الأفراد للتعارف واللقاءات والأحاديث مع بعضهم البعض بصوت مسموع للجميع عن أحوالهم وهمومهم، مواقع الأسواق المتنوعة فيها طرفان بائع ومشتري بينهما حوار لا يخلو من الفكاهة المريحة ليوم طويل في السوق يخفف توتر معاملات الشراء والبيع، العمل الجماعي بحرف ومهن فريدة متعددة بالأحساء نتجت عنها مفردات وكلمات خاصة من هذه الحرف وكونت علاقات اجتماعية مهنية وثقافية خاصة ببيئة الأحساء فيها روح المسرح الكبير وهي الحياة.

كنتُ متابعا متواضعا للثقافة بصورة عامة من خلال المجلات الثقافية المحلية مثل مجلات اليمامة والفيصل والعربية وبعض الصحف المحلية وأتذكر من اهتمامي البسيط كنت أتابع أخبار المسرح وكنا نقرأ ونتابع أخبار ونشاطات جمعية الفنون والثقافة بالأحساء قبل عام 1400 - 1980 من خلال ما ينشر بالصحف الوطنية.

كان أحد الأقارب مهتما بالثقافة ولديه اهتمام بعدة هوايات منها التمثيل، كنت أحضر جلسات ابن العم أحمد عبدالله الوباري «أبو ياسر» وأنا في المرحلة الابتدائية الذي كان يقرأ مجلة العربي الكويتية في مربعتهم «مجلسهم الكبير» بارتفاع دورين ببناء هذه الأيام المنتهي بنوافذ قريبة من السقف للتهوية وتدوير الهواء الساخن بهواء بارد نسبيا، كان المرحوم أبو ياسر يتكئ على مسنده مع إخوانه الذين كانوا محبين للثقافة وللرياضة فهم من أفضل لاعبين كرة القدم بالمنصورة ومتابعون للصحف المحلية والثقافة، كان ابوياسر أنيس بالجلسة، يحدثنا عن اهتمامه بالدراسة بالرغم أنه حاصل على الشهادة الابتدائية التي تعتبر بذلك الوقت شهادة مقبولة، فكان من طموحه دراسته بالمراسلة وحصوله على الشهادة بالسكرتارية من معهد متخصص ببيروت في منتصف سبعينيات القرن العشرين تقريبا 1975، كان المرحوم أحمد أبو ياسر متعدد المواهب ولا أبالغ إذا قلت أنه أول من اهتم ببرامج الحاسب الآلي من جيله ببرامج صخر بجهاز حاسب آلي شخصي وكان ملما بالتشغيل وببرامج بيسك الأولية وإدخال البيانات وكان لديه شغف بالتعلم يشتري كتبا في تشغيل الكمبيوتر وكيفية تعلم برامجه الجاهزة التي كانت صعبة حتى بالتشغيل، ساعده في تميزه بالكمبيوتر المامه باللغة الإنجليزية لأنه كان موظفا بشركة أرامكو حوالي 5 سنوات، حتى إنه عمل ملفات بسيطة، استيراد بيانات الإكسل وربطها بقاعدة بيانات الأكسيس لجمعية المنصورة الخيرية الذي كان يعمل بها في نهاية ثمانينيات القرن الماضي، من شغفه في التعلم على الكمبيوتر، دائم السؤال عن أحدث الأجهزة والبرامج، أبو ياسر رحمه الله كان لديه الطموح والمغامرة في مشاريع عديدة حتى إنه فتح مكتب تخليص جمركي بالشراكة مع الأستاذ المعلم محمد احمد الوباري أبوعبدالله لاستيراد بضائع من خارج المملكة في ميناء الملك عبدالعزيز ومطار الظهران الدولي.

بسبب قراءته لبعض المجلات واهتمامه بالشأن الثقافي كان لديه أسلوب سردي ممتع مملوء بالفكاهة، ينحت بعض المفردات الخاصة المرتبطة بشخصيته وفكاهته، حتى إن قصصه وسردياته الجميلة تنقل من جلسة إلى أخرى وما زالت مفرداته السردية تتناقل إلى يومنا هذا بواسطة من عاصره.

الأسلوب الفكاهي للمرحوم ابوياسر شجعه وقاده أن يقتحم الفن المسرحي، بالرغم من أن أغلب المدارس بالأحساء لديها برامج مسرحية وتدريب على التمثيل لكن الفن المسرحي غير منتشر كنشاط اجتماعي بذلك الوقت، حاول أبو ياسر برغبة جامحة مدفوعا بموهبته الفكاهية وثقته بنفسه أن يشترك بإحدى المسرحيات من خلال زيارته المتكررة لمقر جمعية الثقافة والفنون بالأحساء خصوصا بعد خبر الإعداد لمسرحية «عقاقير وعقارات» تأليف عبدالرحمن الحمد وإخراج المخرج المصري زغلول الصيفي، بعد محاولات وبمساعدة الممثل يوسف الخميس اشترك في المسرحية في أول ظهور له، بطولة الممثل الراحل جعفر الغريب رحمه الله عام 1400 هجري، بالرغم أن دور احمد الوباري ابوياسر قصير وصامت، وأتذكر - لأني حضرتها - وأنا بالمرحلة المتوسطة، كان دوره شاهدا على شراء الأراضي والعمارات كان يبصم على أوراق بدون معرفة ما تتضمنه لأنه يؤدي دور الضرير الأمي، كان حضوره بلباسه البسيط ملفت على المسرح، أدى عمله بحركات أضحكت الجمهور بأبصامه على شيء لا يعرف ما هو، مَثَل واقع يعيشه أفراد المجتمع حتى يحصلوا على العمولة مع الطفرة الاقتصادية.

كانت مسرحية عقاقير وعقارات من أفضل المسرحيات الوطنية التي لاقت إقبالا وشهرة بوقتها وكتبت عنها الصحف المحلية وعن فكرتها الصراع بين مهنة الطب والتجارة والإغراءات المالية.

عمل بعدها في نشاطات اجتماعية بالمنصورة مثل مواقف فكاهية في مهرجانات الزواج الجماعي وفي بعض برامج الجمعية الخيرية الذي عمل بها عدة سنوات.

التمثيل المسرحي وخصوصا مع رواده في الاحساء مثل طاقم مسرحية «عقاقير وعقارات» مثل المرحوم جعفر الغريب والمؤلف المخرج عبدالرحمن الحمد ذكرى جميلة خصوصا في زمن يعتبر الفن المسرحي نادر.

المرحوم أبو ياسر كان طموحه كبير وهو من القلائل من جيله الذين فكر خارج الصندوق، جرب الكثير من المهن محب لتجربة كل جديد بالتعلم واقتحام الأعمال والمشاريع الصغيرة، رحمه الله.

‏مدرب بالكلية التقنية بالأحساء،
رئيس جمعية المنصورة للخدمات الاجتماعية والتنموية سابقا.