آخر تحديث: 4 / 12 / 2024م - 11:28 ص

هكذا كان أبي يوزع زكاته فتأثرت به

الدكتور جاسم المطوع * مقال الثلاثاء. د. جاسم المطوع

قال: عندما كنت طفلا كنت أدخل البيت وأشاهد أبي جالس على الأرض ويوزع المبالغ النقدية في الأظرف البيضاء، ويدخل في كل ظرف مبلغ من المال ويطلب مني أن أساعده بكتابة اسم الشخص المستحق للمال على الظرف، وكان أبي ينظر إلى دفتر بقربه ويقرأ اسم الشخص والعائلة وكم المبلغ الذي يضعه في الظرف، ثم يأخذ هذه الأظرف ويوزعها على أصحابها، فصمت قليلا وكأنه يتذكر التفاصيل ثم قال: أنا تأثرت كثيرا بموقف أبي هذا الذي كان يكرره في كل رمضان وكان يقول لي دائما هذا المال ليس من حقي وإنما هو من حق المحتاج والفقير لأنه من مال الزكاة، فكبرت وصرت حريصا على اخراج زكاتي كل رمضان.

وأعرف أحد الأصدقاء كان يرافق والدته في شهر رمضان وهي تجمع المبالغ لعمل وجبات الإفطار ثم تذهب إلى الأحياء الفقيرة وتوزع يوميا أكثر من مائتين وخمسين وجبه، يقول لي هذا الصديق لما كبرت وتوفيت والدتي استمريت أنا على هذا العمل، وإلى الآن في كل رمضان أجهز وجبات الإفطار للصائمين وأوصلها لبيوت الفقراء التي كانت أمي تذهب إليهم.

وقصص كثيرة أعرفها في تأثر الأبناء بما شاهدوه وهم صغار من حب والديهم للعمل التطوعي أو الخيري وصاروا مثلهم عندما كبروا، فتربية الأبناء وهم صغار على حب العمل الخيري والتطوعي مهم جدا لتشكيل شخصيتهم وتقويتها ويربي فيهم عدة صفات ومهارات، منها غرس الإحساس بالتعاطف مع المحتاج والفقير، وكذلك فهم الطفل لمفهوم الرحمة لأن هذا المفهوم صعب على الأطفال تفهمه ما لم يكن يمارسه ميدانيا، ومن الفوائد أن الطفل يستشعر النعمة التي يعيشها من مسكن ومأكل وملبس وأمان، فعندما يرى الطفل الأيتام أو العجائز والذين لا مأوى لهم فهو يستشعر النعمة التي هو فيها ويقدرها، ومن الفوائد أن الطفل يتعلم اكتساب المهارات الجديدة في التعامل مع الناس الذين يحتاجون مأوى أو ملبس أو مرضى فيعرف كيف يواسيهم ويخفف عنهم آلامهم بالكلمة الطيبة أو بالعطاء حسب الإستطاعة وهذه مهارة اجتماعية مهمة لتنمية الذكاء الاجتماعي للطفل وتدريبه على التعامل مع المشاعر الحزينة عند الآخرين.

وعلى المستوى الشخصي فإنه يتعلم تحمل المسؤولية بالتفكير بغيره ومحاولة مساعدته ومتابعته، وعلى المستوى المجتمعي يكون لديه فكر يحلل مشاكل الفقراء والمحتاجين من مسكن أو ملبس أو علاج أو تأمين دخل ثابت لهم بتدريبهم على العمل، ويفكر بحلول لاحتياجاتهم كما يتعلم تقديم المبادرات لتغيير حال المحتاجين للافضل، كما يتعلم كيف يحسب زكاته وكيف يتعامل مع ماله بالصدقة والبحث عن المحتاج، وفي بعض الأطفال يتم اكتشاف مواهب جديدة لهم وهوايات في بناء العلاقات والتعرف على المؤسسات التي تخدم المحتاجين، كما يتعلم عمل روتين جديد في حياته بالعطاء والمساعدة كل رمضان أو في المناسبات أو أثناء الأزمات والمصائب وهذه الصفة تعزز احترام الذات عنده وتعطيه شعور بالثقة بالنفس بأنه قادر على تغير المجتمع وحل المشاكل الاجتماعية وإحداث فرق بالحياة، فلا يكون كسلانا أو ممن يشتكون دائم.

ومن الفوائد كذلك تشجيع النشاط البدني له بدل الجلوس أمام الشاشات والإدمان على الألعاب الإلكترونية، فكل هذه المعاني والقيم يتعلمها الطفل في حب الخير ومساعدة الفقراء من فالقدوة العملية من والديه في حب العمل الخيري والتطوعي، ولعل قصة أخونا الذي كان يشارك والده بتوزيع الزكاة وقصة الصديق الذي ما زال يوزع الإفطار في كل رمضان على المحتاجين خير دليل على أهمية التربية الوالدية على حب الخير.