دهشةٌ مِن بَعْدِ دهشة
إنه محمد الهائم والمشغوف بالشعر والأدب وعموم الفكر، ولتولعه بأعلام الفكر والأدب والشعر، أحب أن يلقبه الناس ب «الشريف الرضي»، ولأن صديقه اسمه علي، وهو أكبر منه سنًّا ومن المقربين إلى قلبه في الهموم والتطلعات، فقد حلا له أن يلقبه ب «الشريف المرتضى».
وكان «الشريف الرضي» هو الذي يبدأ بالحوار وفي طرح الأسئلة الملفتة في ليلة الجمعة التي يحدث فيها اللقاء ويتكرر أسبوعيّاً..
- «الشريف الرضي»: هل لك أن تبين لي سبب حدوث الدهشة وسبب غيابها وما الأمور التي أدهشتك في مسيرتك الطويلة؟
- «الشريف المرتضى»: لعل الدهشة تكون حين ترى الشيء يحدث ويغيب عنك سبب حدوثه، وقد ترى روعة الإتقان فتندهش دهشة إعجاب مع وقوفك على العلل التي أدت إلى ظهور الشيء في صورته المتقنة..
- وغياب الدهشة ما سببه؟
- طول المكوث الذي يؤدي إلى تبلد الإحساس وفقدان الالتفات إلى جماليات الأشياء والصور وإن كانت متقنة..
- هذا يعني أن الشيء يدهش ولا يدهش باعتبارين، أليس كذلك؟
- بلى
- فما الذي أدهشك ولم يدهشك بلحاظ الاعتبارين؟
- الدهشة هي نفسها تدهشني حين تحضر، وحين تغيب الدهشة، فأندهش من غيابها بعد حين..!
- هههه...، فأنت تُدهش ولا تُدهش، وتُدهش بعد كونك لا تُدهش..!
- خذ الأمور ببساطة؛ فهي مجربة ومحسوسة، ولا تلجأ إلى استدعاء أساليب فلسفة قوامها اللعب بالألفاظ وهي تعاني من فقر في المحتوى.
- أنت تعلم أنني ميال إلى الأدب ولا أميل إلى الفلسفة، فعن أي فلسفة تتحدث؟
- لا أتحدث عن الفلسفة بالمعنى الاصطلاحي، وإنما أشير إلى الثرثرة التي سادت وسادت فألبست لباس العقليات، تسمع ألفاظها فتندهش بها، وعندما تفكر في محتواها تنطفئ الدهشة أعني دهشة الإعجاب والانبهار، ثم تتولد عنها دهشة تدهشك من المنبهرين بما لا يستحق الإدهاش وبالعقود أو القرون التي هيمنت فيها مثل تلك العقليات الصورية المدهشة فعلاً في مكوثها وهيمنتها دهورا ودهورا..
- لقد أدهشتني حقّاً وشوقتني إلى قراءة سيرة الإدهاش، فهل تطلعني على ما اندهشت به في سيرتك أنت وكيف اندهشت من اندهاشك السابق فيما بعد؟
- من الأمور التي اندهشت بها في صباي، وقد كنت متأثراً بالعقل الجمعي السائد والموروث، ذلك العقل الخاص بالأطر المعرفية من حيث الاعتبار والاعتماد، والذي دأب على الإعلاء من شأن الشطحات الفكرية الخارجة عن طبيعة الأشياء المعالجة، لا لشيء إلا لكونه عقلاً متلبساً بفلسفة عقيمة لا تخرج عن توصيفها بلقلقة لسان أو ب ”زخرف القول“ على حد تعبير القرآن الكريم المدهش حقاً والعظيم صدقاً..
- نعم، واصل بما تكتنزه من حديث، فقد شوقتني إلى سماع بعض الأمثلة عن الأمور تلك.
- أنعم الله تعالى عليك، فمن أمثلتها بعض التفلسف الذي يلجأ إليه «ابن الناظم» - بين الحين والآخر - وهو ابن صاحب ألفية ابن مالك، وشرحه لألفية أبيه فيه شيء من الاتجاه العقلي المذكور وفيه شيء من الشطحات الغريبة والمضحكة عنده وحتى عند أبيه..
- فما الذي عنده منها؟
- منها إشكاله على العبارة النحوية التي تصف الفعل المضارع بأنه «مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم أو من الناصب والجازم»، والتعبير ب «من» وب «عن» مستخدمان وهو استخدام صحيح لجهة تناوب الحروف.. ومفاد إشكاله «أن التجرد عن الناصب والجازم أمر عدمي، والرفع أمر وجودي، فكيف يكون الأمر العدمي علة للأمر الوجودي؟!»، وأتذكر أنني عندما قرأت هذا الإشكال في صباي، شعرت بالدهشة وسرت مسار القوم في تفضيل شرح ابن الناظم على بقية شروح الألفية؛ لوجود مثل هذه الإشكالات المدهشة لي آنذاك..
- وإلى أي شيء انتهى ابن الناظم في المسألة؟
- بعد إشكاله المدهش، كان رأيه «أن الفعل المضارع مرفوع لأن صفته الرفع»، لكنني بعد تبخر سحابة الدهشة، صار عندي اقتدار على تحليل مثل هذه الإشكالات وإرجاعها إلى ”زخرف القول“، فصاحبك «ابن الناظم» يريد أن يقول إن الفعل المضارع مرفوع لأنه يتصف بصفة الرفع من الأساس، أما النصب والجزم فهما عارضان عليه لوجود عوامل خارجية وهي «دخول أدوات النصب والجزم عليه».. لكنني بعد تحليلي لما ذهب إليه «ابن الناظم» وجدت أنه وقع فيما فر منه.
- كيف..؟
- ألا ترى معي أن قول النحاة بأن الفعل المضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، يريدون به أن يقولوا إن المضارع مرفوع لأنه بقي على صفته الأساسية محافظا عليها لعدم تغيرها بدخول الناصب والجازم، وهو عين ما يراه «ابن الناظم» الذي علل رفع الفعل المضارع من خلال المحافظة على صفته الأساسية، لكنه استثمر قولهم ”لتجرده من الناصب والجازم“ فاعتبر أن اللام بما أنها للتعليل، فإن النتيجة تكون بأن ”الأمر العدمي علة للأمر الوجودي“..ههه!!
- أراك تضحك هههه!!
- نعم لأنني أستطيع أن أستخدم طريقته الزخرفية وأوقعه في حيص بيص.
- كيف؟
- هو يقول: ”إن الفعل المضارع مرفوع لأن صفته الرفع“ فأستطيع أن أمسك عليه «هذا التعليل، وأقول له: لقد جعلت الرفع علة للرفع وهو دور باطل..!
- كيف «دور باطل»، ما فهمت؟
- يعني هل يصح أن تقول إن سخونة الماء هي سبب سخونته، فتجعل سخونة الماء وهي معلول لعلة خارجية هي نفسها علة لسخونته، فتكون علة ومعلولاً في آن واحد؟
- لا، لا يصح ذلك
- لكني لا أتهم «ابن الناظم»، فهو لا يريد أن يقول إن الرفع علة للرفع، وإنما خلاصة قوله أن المضارع بقي على طبيعته الأساسية مرفوعاً كما وردنا عن العرب، وهو نفسه مفاد قول النحاة بأنه مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، أي لبقائه على صفته الأساسية غير متأثر بعوامل خارجية كدخول الناصب والجازم.
- الآن فهمت ما الذي تقصده من عبارة «دهشة من بعد دهشة»، فأنت كنت مندهشاً في صباك من «الشطحات» الفكرية ومن «زخرف القول» الذي يسميه المشغوفون به عمقاً، ثم صرت مندهشاً من اندهاشك السابق بعد أن نضجت وصرت تعرف كيف تميز بين العمق وبين «زخرف القول».
- نعم هو كذلك.
- هذا عن ابن الناظم، فماذا عن أبيه صاحب متن الألفية؟
- يريد «ابن مالك» في قوله:
" والاسم منه معرب ومبني... لشبه من الحروف مدني
كالشبه الوضعي في اسمي جئتنا.... والمعنوي في متى وفي هنا "
أن يبين أن الاسم إذا قل عن ثلاثة أحرف فإنه يكون مبنياً لمشابهته للحروف التي تقل عن ثلاثة أحرف، مثل بعض الضمائر - والضمائر من الأسماء - كتاء الفاعل و«نا» الفاعلين في قوله «جئتنا» فهما مبنيان لمشابهتهما بعض حروف المعاني المبنية كهمزة الاسفهام وك «هل» وكل الحروف مبنية، فبني الضميران في «جئتنا» لتك المشابهة وهذا ما يسمى بالشبه الوضعي.
- وما قصة الشبه المعنوي؟
- القصة كل القصة في الشبه المعنوي.
- كيف..؟
- يقول إن كلمة «متى» وهي مكونة من ثلاثة أحرف جاءت على حد الاسم المعرب، فخرجت عن مشابهة الحرف شبهاً وضعياً؛ لكونها ليست «أقل من ثلاثة حروف»، لكنَّ «متى» تستخدم للاستفهام، وعندنا «هل» و«همزة الاستفهام» تستخدمان لتأدية معنى الاستفهام وهما حرفان، فتكون «متى» الاسم قد شابهتهما في تأدية معنى الاستفهام وهو معنى حرفي في الأساس مما أدى إلى أن تصبح «متى» مبنية لمشابهتها الحروف التي تؤدي معنى الاستفهام كالهمزة و«هل» وغيرهما..
- إلى هنا كلامه معقول، فما الغريب والمدهش؟
- المدهش في «هنا» فقد اعتبر «ابن مالك» في متن أرجوزته أن «هنا» اسم مبني لمشابهته المعنوية لحرف يؤدي معنى إشارياً وهو حرف مفترض غير موجود كان من حقه أن يوجد فبنيت كلمة «هنا» لأدائها معنى إشارياً ولمشابهتها المعنوية لحرف غير موجود من الأساس؛ لأن المعنى الإشاري في مخيلة ابن مالك «معنى حرفي» وإن لم يضع العرب أو يردنا عنهم حروف نصنفها كحروف إشارة..!
- هههه، لقد صدمتني وأدهشتني بهذا التفكير الذي كان يصنف ضمن الأصالة والعمق، فيالها من شطحات مدهشة مدهشة حقاً...!!
- نعم يا صديقي، ويا ليت الأمر وقف عند مخيلة نحوي أو تصور شاعر..
- وهل توسعت دائرة الشطحات وتجاوزت ما ذكرت؟
- ههه، لوكان الأمر مقتصراً على الزوايا والتكايا التي يطلق منها الغنوصيون فقاعات شطحاتهم، لكان الأمر هينا.
- فإلى أين وصل، لقد شوقني، وأثرت فضولي، فهل من أمثلة توردها وإليك الحديث كله؟!
- لو قلت لك إن هناك رأياً فقهياُ يحرم فض الشركة وإلغاءها بين الشريكين فهل تصدق؟
- عجيب..!، بالطبع لا أصدق، فلا الفقه ولا القانون يمنع من ذلك، فما مستند الرأي المذكور، هلا أخبرتني، فأنا مندهش...؟!!
- مستنده أنه لو قام الشريكان بتقسيم بضاعتهما أثناء عملية فض الشركة فإنهما سيصلان إلى جزء من ممتلكاتهما لا يمكن أن يتجزأ إلى نصفين ليأخذ كل واحد منهما النصف بعدالة؛ مما يعني أن أحدهما سيأخذ هذا الجزء كله ويظلم شريكه، وعليه يكون فض الشراكة محرماً..!
- عجيب ما الجزء الذي لا يتجزأ، ما هذه اللغة الغريبة، وكيف استند ذاك الفقيه إلى هذا الدليل الغريب الذي لم يرد في سنة ولا قرآن وما أنزل الله به من سلطان..!
لقد تبخرت دهشتي مما أورده «ابن الناظم» ووالده «ابن مالك» أمام هذا المدهش الجديد والغريب، صحيح «دهشة من بعد دهشة»..!!
- يا أخي إن شيخك الفقيه قد اغترف من الإناء الذي تنبع منه الشطحات - كما اغترف ابن الناظم وأبوه منه - إنه وكل المتلبسين بالحالة نفسها مشبعون إلى حد التخمة والتقديس بالمقولات الفلسفية الموروثة ومن ضمنها مقولة «الجوهر الفرد» وهو من الأشياء التي لا يمكن أن تتجزأ، فطبق صاحبك الفقيه الفكرة المذكورة على ما يمتلكه الشريكان من ممتلكات مادية، ونتج عن ذلك القول بحرمة فض الشركة..!
- عجيب، عجيب، وهل هناك من أمثلة أخرى تبعث على الدهشة؟
- الأمثلة كثيرة يا صاحبي وفي مختلف المجالات، ولو تابعت في سردها، لتبخرت دهشتك بحرمة فض الشركة كما تبخرت هي حين اطلعت على ما ذكره ابن الناظم وأبوه، بعد سماعك مستند الحرمة العتيد..
- زدني زدني، بل قف عند هذا الحد، فإنني لا أتحمل تلقي بقية الشطحات..!
- ههه، لتكن صبوراً في تلقي العلم، واعلم أن لكل زمان طبيعته، وكانت الطبيعة السائدة بعد حركة الترجمة والنقل - إبان العصر العباسي - أن سادت مثل تلك الفلسفات التي تذهب بعيداً في كثير من الأحيان فتتدخل في تفسير الظواهر الطبيعية وحتى الغيبية بمنحى تخيلي تعجز عن مجاراته مخيلة كبار الشعراء، مما أدى إلى تناسل وتكاثر الشطحات والرؤى الفاقعة وتنقلها واستخدام مبانيها في العلوم السائدة بين الناس دون استثناء.
- والحل..؟
- الحل أن نقرأ تلك الآراء والشطحات ونضعها وفق إطارها الزمني، وأن نكافح تأثرنا بها، وذلك لا يكون إلا برفع سقف الوعي النقدي عندنا، حتى يكون نتاجنا إبداعياً لا نمطياً اجترارياً، فالتقديس كل التقديس للنص المعصوم يا صاحبي وليس لما ألفه القوم.
- جميل جداً، لقد أرحتني يا صديق الروح، لكن أراك تختم كلامك بالسجع والسجع مما ألفه القوم..!
- ذلك مقصود؛ لأبين لك أن ليس كل ما ألفه القوم ليس حقاً ولا يتصف بالجمال، فلست ممن يرفع شعار ”التجاوز المطلق“ وشعار ”اقتل أباك“ تلك الشعارات التي رفعها من ينادون بهدم وتقويض كل شيء ورثناه عن آبائنا وأجدادنا، ولم تكن شعاراتهم سوى «جعجعة فارغة»، فقد طبلوا وزمروا وجعجعوا ولعلعوا بشعاراتهم تلك، ومر على «رقصاتهم المولوية» أكثر من نصف قرن، ولكن إذا جئت إليهم فلن تظفر بعد جعجعتهم الطويلة بذرة من «طحين»..
- والخلاصة..؟
- الخلاصة أن المجعجعين الجدد، لم ينتجوا حتى النقد ناهيك عن الإبداع، بل استعاروا المقولات المعاصرة من الأغيار، وأسقطوها على مجالاتنا المعرفية كما فعل الأقدمون انبهاراً بإفرازات حركتي الترجمة والنقل، وعليه فإن نقد ما جاء به أو طرحه هؤلاء الجدد لا يقل عن نقد أولئك الأقدمين، ولو كان للوقت بقية لذكرت لك كم كنت مندهشاً بمقولات المقوضين الجدد وكم صرت مندهشاً من دهشتي السابقة بهم وبمقولاتهم التي لا تقل عما وصلنا من شطحات القدماء..
- لا يا أخي لا تحدثني عن شطحات الجدد المدهشة، فلقد انقطع نفسي من تلقي الدهشة التي ليس من بعدها دهشة بل دهشات ودهشات ودهشات.. أووووه..!!
- رفقاً بحالك يا صاحب الذوق الرفيع والعاطفة الجياشة، فليس من الفطنة أن تجعل للعاطفة مكاناً في تلقي مثل هذه الأمور، ومن الأحجى أن تضبط النفس وتكبح تأججها وانفعالاتها، وتضع تلك الروى التي تطرقنا إليها في سياقها وإطارها الزمني؛ ليكون نقدنا وتحليلنا وتفكيكنا لها منضبطاً موزوناً، وحتى نعرف كيف نعالج من استصحبوها وأدمنوها ونشفيهم من عللهم التي تقعدهم عن استنطاق طاقاتهم الكامنة واستثمارها في العطاء والإنتاج اللذين لهما نكهة الإبداع ورائحته التي تنعش الروح.
- صدقت يا صاحبي فعيبي أنني أنفعل بشدة ولا أتحمل تلقي القبحيات، ولكني سأعمل بنصحك وأروض نفسي على الصبر والتحمل؛ لكي أبقى على قدر من الثبات ولا أشطح في رد الشطحات.
- جميل جداً، فهذا هو المطلوب، والآن بعد أن هدأت النفس، فإن صحن اللقيمات الذي أمامك يناديك، ألا ترى كيف أحكم تدوير اللقيمات هذه وكأنها العقيق لصفائها وانظر إلى الدبس كيف رُش عليها بفن وكيف زاد من بريقها ولمعانها.!
- لله درك أيها المرتضى، لله درك من أديب...!
، وصفتَ اللقيمات فأدهشتني دهشة أزالت مني التعب، وبعثتَ فيَّ الراحة والنشاط من جديد، وأغريتني بالتهامها دفعةً واحدة..
- هههه..تفضل تفضل فاللقميمات تدعوك إلى ذلك.
- يا لها من لقيمات لذيذة، فها أنا أكاد أقضي على صحني ونفسي تحدثني بأن أسطو على صحنك أيضاً.. فما أطيبها وما أحلاها..!!
- هههه، الخير كثير فلا تبال في السطو ولك عشرة صحون إن شئت، لكني أخاف عليك من السمنة ومن مساوقة ابن الرومي في الاعتياد على الحلويات..
- ذكرت َ ابن الرومي وذكَّرتني بوصفه الرائع للزلابية وطريقة صنعها، فهل يستطيع شاعر من أولئك الشعراء الجدد المتجاوزين في إبداعهم كل إبداع أن يصفوا اللقيمات ويدهشونا بوصفهم الشعري لها كما أدهشنا ابن الرومي بوصف الزلابية..؟
- لا يستطيعون ولن يستطيعوا أبداً أبدا..
- عجيب..! فقد أتَعقَّل نفيك الاستطاعة عنهم حاضراً بلحاظ المعايشة، ولكني لا أتَعقَّل أن يمتد حكمك بالنفي إلى المستقبل، فما السبب وما العلة؟
- السبب يكمن في الرؤى التي تلبسوا بها فأصبحت حاكمة عليهم وأمسوا محكومين بها لا يمتلكون الحرية التي امتلكها ابن الرومي الذي لم يكبح نفسه برؤى مسبقة تضيق عليه الحدود وتمنعه من الانطلاق بلا قيود..
- هل من أمثلة توردها ليتضح ما تعنيه؟
- وهل تريد أن تنسى طعم اللقيمات وتعود إلى تأزمك النفسي من جراء تلقي الدهشات؟
- لالالا، دعهم وشأنهم، ليفصلوا الشعر على رؤاهم وليلبسوا ما فصلوه، فلا أريد أن تذكر لي أي شيء عنهم الآن، ولكن أين التسعة؟
- تسعة..! ما الذي تقصده برقم «تسعة»؟
- صحون اللقيمات التسعة، ألم تعدني بعشرة صحون، وقد أكلت واحدا فلم أبق فيه لقيمةً واحدةً ولحست كل قطرة دبس فيه، وبقيت لي - كما وعدتني - تسعة صحون، أليس كذلك؟.
- هههه لقد أدهشتني بتولعك بالحلويات وبرهنت لي أن ابن الرومي لم يمت فما زال حياً بيننا وكأن روحه قد حلت فيك..
- تقول: أدهشتني
- نعم أدهشتني
- ههه.. ”دهشة من بعد دهشة“، ولكنها باللقيمات أحلى
- ههه، أوافقك الرأي، فما دامت نفسيتك ارتاحت وانطلقت فهي الدهشة الأحلى والأحلى من كل الدهشات..
- حسناً حسناً، فلا تنس شاي السماور، وإليَّ باللقيمات...