آخر تحديث: 27 / 4 / 2024م - 1:53 م

بين السناب شات والمليحة

كميل السلطان

انتشرت في الآونة الأخيرة وسائل جديدة ومتنوعة في مجال التسويق والإعلانات لمنتجات وبضائع بقصد نشرها وترويجها للمستهلك، والحقيقة أن عمل إعلان للمنتج يسهم في تسويقه وبيعه وانتشاره، التسويق والإعلان أصبح علما يدرس ويتخصص فيه كثيرون يقومون بدراسة هذا المجال والتخصص فيه ومن ثم العمل به، ومن حيث أن الإعلان أصبح مهما في أيامنا هذه فإننا نجد انتشار شركات متخصصة في التسويق والإعلان تحقق أرباحا طائلة في هذا المجال ناهيك عن المنتج والسلعة ذاتها المعلن عنها.

سابقا كانت الإعلانات تقوم بها شركات كبرى للترويج عن منتجاتها إما عن طريق شاشات التلفزة أو الصحف والمجلات أو اللوحات التجارية في الشوارع، وبطبيعة الحال فإن هذه الوسائل كانت محدودة لذا فإن من يقوم بالإعلان فيها هي شركات كبرى تستطيع الدفع وتحقيق مكاسب من هذا الإعلان.

اليوم ومع هذه الثورة التكنولوجية والمعلوماتية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبحنا نرى أساليب وطرق جديدة في الإعلان والترويج للمنتجات والمحال التجارية فانتشار برامج التواصل الاجتماعي واستغلالها في الإعلانات حقق نجاحا كبيرا بدليل تحقيق محال تجارية صغيرة مكاسب من جراء الإعلانات في وسائل التواصل الاجتماعي وأيضا انتشار منتجات جديدة ليست من إنتاج شركات كبرى، الأمر الذي اضطر الشركات الكبرى هي أيضا للحاق بركب الإعلانات التجارية عبر وسائل التواصل الاجتماعي واستخدام المعلنين لغرض الترويج والدعاية لمنتجاتها.

لربما دخول وسائل وبرامج التواصل الاجتماعي في سباق الإعلانات أعطى نقلة جديدة في مفهوم الإعلان ومجالا أوسع للأفراد في خوض تجارب الإعلان وتحقيق دخل لا بأس به من هذا الباب، الغريب أن استغلال وسائل التواصل الاجتماعي في الإعلان منهج وأمر ليس بالجديد إنما متجدد فقط، ففي زمن الخلافة الأموية حدث أول إعلان لمنتج على وسائل التواصل الاجتماعي آنذاك أي في العقد الرابع أو الخامس للهجرة، فقد استخدم الشعر حينها من حيث كونه وسيلة رائجة ومنتشرة ولها قيمتها بين الناس في الترويج والإعلان وكذلك استغلال شخصية الشاعر ومكانته الاجتماعية في طرح الإعلان عبر منبر شعره وبين طي كلماته.

الحدث والقصة بدأت حين أتى تاجر من أرض العراق إلى المدينة ليبيع الخُمر - جمع خمار - وقد باعها كلها إلا الخمر السود فقد أعرضت النساء عن شرائها واقتنائها آنذاك وبقيت بضاعة كاسدة عند التاجر، فاغتم التاجر لذلك وجلس في حيرة من أمره، حينها شكا ذلك إلى الدارمي، والدرامي هذا هو ربيعة بن عامر شاعر ترك الشعر واختار التنسك والتعبد والزهد ولزم المسجد، فعمد الدارمي إلى ثياب نسكه! فألقاها عنه وعاد إلى مثل شأنه الأول، فنظم شعرا فوقف بين الناس في السوق، فأنشد يقول:

قل للمليحة في الخمار الأسودِ
ماذا فعلتِ بناسكٍ متعبدِ

قد كان شمّر للصلاة ثيابه
حتى وقفتِ له ببابِ المسجدِ

رُدّي عليه صيامه وصلاته
لا تفتنيه بحق دين محمدِ

فانتشرت الأبيات بين الناس، وأقبلت النسوة على الخمر السود، وباع الكوفيّ بضاعته كلها ومضى في سبيله، وعاد الدراميّ لتنسكه وعبادته.

هذه الحادثة مثلت أول إعلان تجاري وتوظيف لمكانة الشعر الاجتماعية للدعاية والإعلان والغريب أن مثل هذا الإعلان لم يتكرر وغابت هذه الإعلانات فترة من الزمن رغم نجاحها آنذاك حتى عادت للظهور مع انتشار الصحف والمجلات مرورا بقنوات التلفزة وأثير المذياع وأخيرا هذه النقلة الكبيرة في وقتنا الراهن.