آخر تحديث: 22 / 11 / 2024م - 1:35 ص

أسواق الأسماك - نحو استيراتيجية سمكية لمحافظة القطيف

أمين محمد الصفار *

قبل ثمانون عاماً تقريباً، جاء اللؤلؤ الصناعي الياباني بكوراثه القاضية على اقتصاد اللؤلؤ العالمي الذي كان الخليج العربي أحد أهم مفرداته الرئيسة، حيث كانت قوافل صيد اللؤلؤ الممولة من تجار الخليج تخرج من المدن المطلة على الخليج محملة بأبنائه نواخذة وبحارة وعمال بمختلف فئاتهم لتجوب مختلف المناطق البحرية التي ينمو فيها المحار.

كان اقتصاد المنطقة ومصدر الثراء يعتمد بشكل رئيس على تجارة وصيد اللؤلؤ، كانت القطيف أحد مدن تلك التجارة العالمية التي يفد إليها تجار اللؤلؤ فور سماعهم بأية أخبار مفرحة عن صيد اللؤلؤ، وكان من أشهرهم محمد بن عبدالوهاب الفيحاني الذي أتي من قطر عبر ميناء دارين بجزيرة تاروت واستوطن وبنى قصره الشهير بالقرب من مينائها.

لم تأت الكارثة فجأة بل شعر بها أولاً التجار ممولو حملات صيد اللؤلؤ حيث بدأ اللؤلؤ الصناعي يغزو أسواق اللؤلؤ العالمية مما جعل أسعار اللؤلؤ الطبيعي تنخفض تدريجياً، إلى أن تحولت عملية تمويل رحلة صيد اللؤلؤ التي - كانت تجلب الربح الوفير إلى مغامرة ليست مضمونة النتائج. في النهاية ورغم محاولات الحماية الحكومية المتعددة لتجارة اللؤلؤ الطبيعي إلا أنها تضاءلت من العالمية إلى المناطقية ثم للمحلية حتى وصلت للهواة وبعدها أندثرت تماماً لصالح اللؤلؤ الياباني الصناعي الذي نمت تجارته وأصبحت اليابان هي المصدر رئيس وشبه الوحيد لتجارة اللؤلؤ الصناعي وأيضا لاحقاً أصبحت اليابان الصناعية العظيمة صاحبت أكبر سوق للأسماك في العالم.

هذه المقدمة المختزلة هي فقط للتذكير بأن هذه قطيفنا العزيزة كانت جزءً رئيساً من تجارة عالمية جلبت لأهلها الثراء حتى قبل أكتشاف النفط والغاز بها، وكانت إضافة إلى كون أهلها من التجار والعاملين في هذه الصناعة، كانت أيضا محط رحال كبار تجار اللؤلؤ.

عندما نقيس الأمر على تجارة الأسماك، وبالرغم من كل التحديات، وعدم وجود مهدد خارجي - كما كان اللؤلؤ الصناعي مهدداً للؤلؤ الطبيعي - ظلت تجارة الأسماك في القطيف بكل تاريخيتها وعلاقاتها التجارية وثقافة أهلها متصدرة طوال السنوات الماضية.

أن التحديات الحالية لأسواق الاسماك في القطيف تتمظهر في عدة أشكال ذكرنا بعضها في المقال السابق، وهي للأسف تتوالد لتشكل مشكلات مركبة وتكون أشبه بمتوالية هندسية من المشكلات، الحمد لله لعله مازال الوقت متاحاً لأقتراح وتطبيق الحلول الناجعة إن شاء الله. مازال لدينا الخيار في أن تكون القطيف مدينة عادية مكررة تبيع السمك مثلها مثل أي مدينة أخرى وربما أقل، وبين أن تكون القطيف عاصمة الأسماك والصناعة السمكية على مستوى الخليج والمنطقة وبأيد سعودية.

مازالت القطيف هي المدينة الوحيدة على طول الساحل الشرقي للمملكة القادرة على أن تكون مدينة الأسماك بكل معنى الكلمة بأيد سعودية من أعلى الوظائف حتى أبسطها، وللوصول لهذا الهدف نرى أن الحل الجماعي المتكامل التي تشارك فيه كل الجهات ذات العلاقة بمن فيهم اصحاب العلاقة من صيادين وتجار اسماك للمساهمة في وضع الاستراتيجية السمكية لمحافظة القطيف تشمل وضع تصور لما يجب عليه أن تكون العلاقة بين القطيف والأسماك ومراجعة لكل الإجراءات التي لها علاقة بالأسماك بشرياً وصيداً وتجارة واستثماراً وسلاسل الأمداد وفرص الاستزراع والتصنيع السمكي وتهيئة البنية التحتية والمرافق الخاصة بها للنمو والتوسع بمعايير نموذجية وجعل المحافظة منطقة الأسماك الأولى على مستوى الخليج ونموذجاً يحتذى به في المناطق والدول الأخرى.