آخر تحديث: 23 / 4 / 2024م - 9:39 م

أزمة المجتمع في رواية سلمان العيد «عذراء في زمن الغدر».. قراءة سوسيولوجية

جعفر العيد

يقول العالم الاجتماعي روبرت ميرتون:

«إننا لا نستطيع أن نعتمد على تصور الناس للمشاكل الاجتماعية، وخاصة من حيث مداها وتوزيعها، ومسبباتها ونتائجها، ودرجة ثباتها وتغيرها» «المشاكل الاجتماعية والسلوك الإنحرافي» - ص 75 محمد غيث 1995م

رواية «عذراء في زمن الغدر» التي صدرت مؤخرا عن دار ريادة للكاتب سلمان العيد، تعالج المشكلة الاجتماعية، وإن بدى عنوانها فرديا كما هو واضح،

فالرواية التي وقعت في حدود 162 صفحة، وخمسة أقسام، بدت لي وكأنها تتألف من قصص قصيرة. ما أن تنتهي قصة حتى تبتدأ قصة أخرى، لقد نجح الكاتب في التحايل على القارئ، في جره إلى إنجاز قراءة الرواية في جلسة واحدة.

تحكي الرواية محنة الأهالي في حارة «الفجل» كما أطلق عليها الكاتب.

المشكلة في تغير وفشل الزعامات الاجتماعية الجديدة في السيطرة على وضع الأحداث في هذه الحارة.

الزعامات في هذه الحارة المخترعة هم هنا رجال دين ثلاثة «مصطفى التائه، مرزوق الهائم، عثمان المبخر» ورثوا الزعامة بعد وفاة الزعيم الكبير في الحارة السابق «الشيخ سعيد بن تعبان»

ويتمثل فشلهم في جانبين الأول/عدم القدرة عن ملء فراغ الزعيم السابق، بما يحمله من علم وتواضع واجتهاد وقرب ومحبة في قلوب الناس.

الجانب الثاني/ عدم القدرة على الخروج من الذاتية والأنانية في الفصل في المنازعات.

وحارة الفجل هذه مثال لتصورات الناس للمشاكل وكيفية حلها، وإجبار الآخرين، على اتباع نفس الأسلوب، فعندما تقع جريمة، وبدل الاتجاه إلى المجرم ومعاقبته، يتحول الضغط على المظلوم لكي يسكت، ويستر عورة القرية، وأن الله عالم بكل الأحوال والقضايا.

المشكلة الاجتماعية الكبيرة في حارة الفجل هي أنهم يرون أنفسهم كمجتمع فاضل، ونظيف، ويتفاخرون على الحارات الأخرى بذلك.

بينما لا يرى «ابن هذه الحارة» فؤاد جمعان ذلك.

كونه تحرر من قيود هذا المجتمع، عندما عاش في المجتمع الحضري.. وهذا ما يعكسه الفرق بين تفكير ابن المدينة والحضارة، مقابل ابن الريف إضافة إلى توجهه الحقوقي، يرى مجتمعه كأي مجتمع آخر يرد عليه الخطأ والصواب. وهنا تبدأ تفاصيل الاختلاف بينهم في أصعب امتحان مرت به حارة الفجل.

ففي غمضة عين تتكشف الأحداث عن ضحايا غدر وعنف واعتداء جنسي في مزرعة الشيخ السابق سعيد بن تعبان، والصدفة أن المعتدى عليهم، الذين اختطفوا من مدينة قريبة إلى هذه المزرعة، كانوا يمتون إلى فؤاد بقرابة ونسب

ولأن المجرمين غير معروفين، فكر فؤاد بطريقته الحضرية في إشراك الجهاز الرسمي من الحكومة، بينما لجأ أصحاب القرار في القرية «بعد أن جلسوا عدة جلسات لمناقشة قضايا الحارة وتفاصيلها» إلى الضمضمة والخشخشة، وعدم إثارة الموضوع، واتهام أبناء المناطق الأخرى بارتكاب هذا الفعل.

لكن «الذي جرى وكان مفاجأة للجميع، فقد تبين لدى العديد من المعلومات أن فؤاد بن جمعان «وليس غيره» هو الذي رفع الدعوى على الخاطفين فاعلي الفاحشة، والأشد مفاجأة أن عملية الإبلاغ لم تتم أخيرا «....» وهو الذي حرك المعاملة في الأجهزة الأمنية، وهو الذي أوصلهم إلى مكان الحادث». ص 98 الرواية

وتتشابك أحداث الرواية جيئة ورواحاً، إلى درجة أنك تشعر بدوار رأسك، وأنت تبحث عن البطل في الرواية، وعندما لا تجد ذلك واضحاً، تجد نفسك تضع مجتمع حارة الفجل هم أبطال الرواية بغض النظر عن إعجابك بموقفهم أو عدم إعجابك.

نعم لحرية أبطال الرواية

لقد بدى لي الروائي سلمان العيد مستعجلاً قليلاً، وقابضاً بيد حديدية على جميع أحداث الرواية، مما دعاه إلى استخدام لغة الصحافة التحليلية في تناوله للأحداث، وأصبح ذلك بديلاً عن إعطاء الفرصة وحرية الحركة لأبطال الرواية، وفك قيودهم.

على أن هذا الأسلوب لم يكن الراوي سلمان العيد المتفرد به، إلا أنني لقيته مستعجلاً في إنجاز العمل، فقضية جميلة ومليئة بالتفاصيل، والتحاليل والتأويلات، تستحق منه بعض الصبر لخلق واقع روائي أجمل مما كان عليه.

فالروائي سلمان العيد نجح مرة أخرى في اختيار موضوع روائي جميل، وغطاه من كافة الجوانب، تمنيت منه أمنية واحدة، وهو السماح للشخصيات بالحركة دون قيود.

ويبدو لي أن اللغة الإعلامية المفيدة حتماً تلازمه، لذا أقترح عليه، أن يضيف في أعماله الروائية القادمة شخصية الإعلامي، الذي يدخله في الحدث كلما أراد أن يعطي رأيا «إعلاميا «ثقافيا كان أم اقتصاديا

هذا ما بدى لي من مسيرة الأحداث في هذه الرواية، نجح أيضا بشكل لا يستهان به في خلق صورة الحقوقي المتحضر فؤاد، الذي واصل مسيرته في متابعة المجرمين، واصطدامه بجدار متين يتمثل في بعض رجال الدين، الذين وضعوا أنفسهم إلى جانب المجرمين، متمنين من فؤاد أن يترك الموضوع لهم ليحلوه بطريقتهم، ولما لم يرضخ فؤاد الجمعان لهذه الأمنيات، واجهوه بالتهديد، وصل بعضها إلى التوعد بالقتل، أو الاعتداء على بعض أفراد أسرته.

المشكلة الاجتماعية هي وكما يقول المثل الشعبي «قاعدة ومستريحة، سوت «عملت» لروحها فضيحة» فليس الدفاع عن قضية محقّة يمكن أن ينجيك من العقاب، وليس كونك مظلوما سيضمن لك العدالة في قضيتك.

ففي هذه المجتمعات، وعندما يشتد الصراع ويرى الظالمون المجرمون أنفسهم في قبضة العدالة، يحاولون الوصول إلى عقوبات مخففة، ويحاولون إشراك الضحية بجريمتهم كالإدعاء برضى المعتدى عليهم، وتخويفهم بسمعتهم أمام الناس، وهذه الأمور تخيف «الضحايا» فلا يبلغون السلطات الأمنية والقضائية بما جرى عليهم.

لا أعرف ماذا كان مآل هذه القضية المتصورة، والتي عادة ما تقع دائماً في مجتمعاتنا، والمجتمعات الأخرى، لأن الروائي ببساطة أبقى النهاية مفتوحة لتأويلات القارئ

المؤكد أن الضحايا شملهم بعض العقاب القضائي «حسب الرواية»، فهل ستواصل شخصية فؤاد النضال إلى آخر نفس؟؟ وهذا المتوقع حسب مسيرة أحداث الرواية، أم هل سيستسلم للضغوطات المجتمعية الكبيرة؟؟ هذا هو السؤال.