آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 1:42 م

هكذا تكلم محمد عبده لمحمد رضا نصرالله: لا أنسى حين وضع الملك فيصل يده على رأسي

جهات الإخبارية

ما زلت حائرًا فيمن أقدم، الموضوع أم الضيف، الموضوع أساسًا عن الفن في الجنادرية، عندما نذكر هذا يتبادر إلى الذهن الأوبريت بطبيعة الحال، فإذن ما بين ضيفنا والموضوع مشتركًا واسعًا، الفنان الكبير محمد عبده، من أوائل المشاركين في المناسبات الوطنية، والأوبريت وهو اختزل في عمله الأخير «فارس التوحيد» الخبرة الطويلة لهذا الفنان الكبير في علاقته كفنان مع جملة التراثات النابعة من جزيرتنا العربية، محمد عبده هو سلسل الصوت اليمني والمجس الحجازي والسامري النجدي والصوت الخليجي، فأهلًا وسهلًا به.

محمد رضا نصرالله: «ومن طوّل الغيبات.. جاب الأغاني»، دعنا هنا نحفر قليلًا فيما وراء هذا الأوبريت، محمد عبده الذي أتى من قرية الدرب، في جازان، هذه البقعة المسكونة بالأصوات الجميلة، إلى جدة، كان الوالد قد توفي، الوالدة رحمها الله قد احتضنتك، ولكن جلسات الطرب استهوت محمد عبده، فوجدنا عمدة محلة اليمن، علي عبدالصمد وأخاه محمد عبدالصمد، ووالدهما محمود عبدالصمد، يستدرجون محمد عبده إلى هذه الجلسات، يا ترى ما دور جلسات الطرب في التواصل مع التراث الفني في الحجاز، أنت تعرف أكثر أن هذه المنطقة الحجازية انطوت على تجربة تاريخية متراكمة فيما يتعلق بهذا، حدثنا عن هذه التجربة؟

محمد عبده: طبعا، إذا افترضنا بان تهامة جزء من الحجاز، وأنا من تهامة، فهم يحبون دائما إلى جانب التقاليد الإسلامية والتقاليد العربية الأصيلة، بقدر هذا الحب وبقدر هذا الارتباط والانتماء، أيضا يحبون الفن ويحبون الغناء، فعندهم التقاليد الإسلامية والثقافية الموروثة خطان متوازيان مع الفن والرقصات الشعبية، وغرس فيّ هذا حب الغناء منذ ذلك الوقت، وأتيت إلى جدة التي هي مهد الفن الحجازي في المملكة العربية السعودية، ورأيت كثيرًا مما كنت أحلم بأن أراهم، وأتمنى أن أقابلهم، وشاهدتهم عن قرب وكنت لا أصدق أنه يمكنني أن أعمل مع هؤلاء العمالقة الذين كانوا بالنسبة لي رموزاً كبيرة في ذلك الوقت، أمثال بعض الفنانين اليمنيين الذين كانوا يأتون إلى الحجاز مثل محمود غابّة، ومحمد جمعة خان، ومن مكة.. سعيد أبو خشبة، وأيضا القعطبي الذي كان يأتي إلى جدة وكنت أراه، فهؤلاء يمكنك أن تعتبرهم النواة المؤسسة للغناء في الجزيرة العربية.

محمد رضا نصرالله: هذا طبعا قبل إنشاء التلفزيون في المملكة؟

محمد عبده: قبله بكثير، وقبل الإذاعة أيضا.

محمد رضا نصرالله: ما بين دار الأيتام ومدرسة السبيل، كان الأستاذ الإذاعي البارز بكر يونس، يأخذك إلى مسرح الإذاعة، يبدو أن لهذا فضل على جلب محمد عبده إلى مسرح الإذاعة، وكذلك إبراهيم خفاجي وطاهر زمخشري، نريد التذكير بهذه الأسماء التي يبدو أن الأجيال قد نسيت دورها.

محمد عبده: يجب إعلاميًا أن نعرّف الأجيال الحالية بهؤلاء العمالقة من مؤسسي الإعلام، فالأستاذ بكر يونس «رحمه الله» تعرفت عليه في الإذاعة، ولكن الذي أخذني إلى الإذاعة هو الأستاذ طاهر زمخشري، عرّفني على الأستاذ عبدالله بلخير، وعرّفني أيضا على الأستاذ عباس غزاوي رحمهما الله، الذي كان مشجعًا جدا للفن ومحبًا للغناء، وكانت له برامج يقدمها بحضور جماهيري، مثل برامج الأطفال التي كانت تزخر بالبراعم والمواهب في تلك الفترة، فالكثير من المواهب خرجت من برنامج الأستاذ عباس غزاوي، أمثال حيدر فكري وأنا أيضا ظهرت من خلال هذا البرنامج أول مرة بالإذاعة، وكنت متعلّقاً بالإذاعة في تلك الفترة، وكنت وقتذاك أعتبر الإذاعيين مثل رواد الفضاء الآن، فكنت دائما ما أتشوق إلى رؤية صورهم في النشرات الإعلامية التي تصدر، أو أراهم وهم على سلالم الإذاعة صعودًا وهبوطًا، وأستمتع برؤيتهم، مثل الأستاذ عبدالله راجح والأستاذ محمد حيدر مشيخ والأستاذ بدر كريّم، والكثير من الإذاعيين الذين كنا نحبهم، ثم تقدمت إلى مسرح الإذاعة، في تلك الفترة تعرفنا على مؤسس الموسيقى السعودية في المملكة العربية السعودية، الأستاذ طارق عبدالحكيم، الذي كان بحق السمة البارزة الحضارية في الفن السعودي.

محمد رضا نصرالله: حيث قدّم لك أول عمل وهو «لنا الله».

محمد عبده: نعم.

محمد رضا نصرالله: يبدو أن الوالدة كان لها دور مهم في حياتك، حاولت إدخالك دار الأيتام، ولكن ثمة عقبة على ما يبدو وقفت في طريقها، فذهبت إلى الملك فيصل تستنجد به، حدثنا عما وراء هذا الموقف.

محمد عبده: عندما كنا نذهب إلى مكة، بصورة شبه يومية، كنا نذهب لصلاة المغرب والعشاء في الحرم، ثم نعود إلى جدة، وذلك لقربها من مكة، فكنا نشاهد طلبة دار الأيتام وهم يلبسون زيّاً شبه عسكري أو زيّ الكشافة، فكان يعجبني هذا الزيّ جدا، وكنت أحلم بان أكون في العسكرية، فكنت ألحّ عليها أن أدخل دار الأيتام من أجل هذا الزيّ المميز والجميل، وفي إحدى الصيفيات بقينا في الطائف لمدة 3 أشهر، فذهبت أمي إلى الملك فيصل «رحمة الله عليه» في قصر شبرا، وقالت له إن لديها أطفال أيتام، وتريد أن تدخلهم دار الأيتام، ولا أنسى حنوّه وتواضعه الشديد، لأن الحراس عندما رأونا عند الباب حاولوا أن يردونا، ولكنه أشار لهم وقال لهم: دعوها، وكان من المفترض أن نصعد الدرج، لكنه هو الذي جاء إلينا، واتجه إلينا ووضع يداً على رأسي ويداً على رأس أخي أحمد، وكان يستمع إلى والدتي «رحمة الله عليها»، وقال لها: حاضر، وأخذ أسماءنا، وبعدها انتظرنا لأسبوع أو 10 أيام، وإذا بالشرطة تبحث عنا في جدة، حتى وجدونا حيث كنا نسكن في رباط خيري، وظننا أن هناك مشكلة ما أو ما شابه، فأخبرونا أن الملك فيصل قد أدخلنا دار الأيتام في جدة، ولكن الزيّ لأطفال دار الأيتام في جدة يختلف عن زيّ دار الأيتام في مكة. بالمناسبة فإنّ كثيراً من الإذاعيين الكبار تخرجوا من دار الأيتام بمكة، كما أن عمالقة الأدب والفكر تخرجوا من هذه الدار.

محمد رضا نصرالله: شيء جميل أن تسترجع هذه الصور التي تتسم بطبيعة الحال بالمعاناة، يبدو أن جسمك كان نحيلًا، فهذا ما وصفك به الموسيقار محمد عبدالوهاب حينما التقيت به في جدة عام 1968، حينما استمع إليك لم يعجبه صوتك في البداية، كأنه أعجب بالسمة اللحنية أو الجملة اللحنية في أدائك، ولكنه نصحك بالأكل، هل كنت في ذلك الوقت تعاني الجوع؟

محمد عبده: أنا أصلًا لم يكن عندي صوت، كان صوتي صغيرًا جدا ونحيلًا، وكان قد قال لي: سمّعني أذان مكة، فأسمعته الأذان، فانبهر.

محمد رضا نصرالله: له مقاماته بطبيعة الحال.

محمد عبده: نعم، فكان يقول: من أين يظهر هذا الصوت؟، أنت من المفترض يكون لديك قوة دافعة لهذا الصوت، وهذه ليست موجودة، وأنت لديك أنيميا أيضا، طبعا يمزح حينها، كان هذا هو أول لقاء معه، إذ كان يحج في عام 1960م تقريبا.

محمد رضا نصرالله: أين وقع هذا اللقاء؟، وما هي الأغاني التي غنّاها محمد عبده، هذا الصبي الصغير؟

محمد عبده: غنّيت له دانة من الدانات الحجازية القديمة. في هذا اللقاء أود أن أشير إلى أن الكثير من أعلام جدة لهم الفضل الكبير في مجالستي للعديد من هؤلاء الأشخاص الكبار، مثل محمد سرور صبان، الذي كان يستضيف أحمد رامي، فكنا نجلس ونرى هذا العملاق الذي كنا نسمع عنه، ونسمع منه الشعر والمساجلات مع شعراء جيله، فكانت جدة منتدى جميل للأدب والأدباء.

محمد رضا نصرالله: أحطت أنت بمجموعة من الفنانين  كما ذكرنا  طارق عبدالحكيم وعبدالله محمد، وجميل محمود، ومن الشعراء والكتّاب؛ إبراهيم خفاجي وطاهر زمخشري، والملاحظ أن محمد عبده كأنه لم يلحن شيئًا لطاهر زمخشري على كثرة ما قدم من أشعار في دواوين عديدة، أنت غنيّت للأخطل الصغير، أليس كذلك؟، وغنّيت لأمين نخلة، هذان الشاعران اللبنانيان الكبيران، فلماذا أغفلت طاهر زمخشري؟

محمد عبده: الأستاذ طاهر زمخشري «رحمة الله عليه» كان يعطي نصوصه للأستاذ عمر كدرس، وقصة تلحيني لنفسي أصلًا جاءت بموقف، لأن كل الملحنين في تلك الفترة كانوا يذهبون بألحانهم الجميلة إلى الأصوات الجميلة الموجودة والتي توصل ألحانهم بسرعة إلى الجمهور، مثل الأستاذ طلال مداح وسعود زبيدي ومطربين كثر، فوجدت نفسي لا أستحوذ على الألحان إلا في الفترة التي استقل فيها الأستاذ طلال بألحانه وصار يلحن لنفسه.

محمد رضا نصرالله: كان طلال قد سبقك.

محمد عبده: طبعا، سبقني ب 10 سنوات تقريبا، وبدأ الأستاذ طارق عبدالحكيم يبحث عن الصوت الذي من الممكن أن تظهر به ألحانه على الساحة الفنية، فلحّن لي في البداية «سكة التايهين» و» أول يوم وثاني يوم» و» ترحب بغيري وأنا الولهان» ولحّن لي أيضا أغنية وطنية جميلة، وفي لحن «لنا الله» كان الظاهر أنه تاركه لنفسه كي يغنيه، وكان يتنافس على هذا اللحن، الأستاذ عبدالله محمد «رحمه الله» وطلال مداح.

محمد رضا نصرالله: الملاحظ بأن أداءك - وقتذاك - وكنت بملابس متواضعة في هذه الأغنية، كأن صوتك يصرخ بألم المعاناة، ومرارة اليتم والحرمان، أول ما سمعنا هذه الأغنية هزتنا كثيرًا، كان هنالك الصدق والألم، أين هذا هو اليوم من محمد عبده الذي استوى على سوقه وأصبح ظاهرة فنية عربية، حتى أن بعض الفرق العالمية أصبحت تعزف بعض أعماله، مثل «ليلة ليلة»، هل يتذكر محمد عبده تلك الصور؟

محمد عبده: طبعا، بلا شك، فهي مسجلة في ذهني ومسجلة في الإعلام وفي وجداني، ولكن إذا نظرت في تلك الفترة ستجد أن المملكة كلها كانت تمر بتلك الحالة، فكنا في تلك الفترة شبه متساوين في الآلام والمعاناة، ولكن كانت تجمعنا قناعة ورضا وتطلع كبير إلى أننا نريد أن نصل بفنوننا وثقافتنا إلى ما وصل إليه العالم العربي من حولنا.

محمد رضا نصرالله: الوقت ضيق، والمكالمات كثيرة تأتينا من كل صوب، لنأخذ أول مكالمة من الملحن المعروف الأستاذ سراج عمر، أهلًا وسهلًا بك.

سراج عمر: أهلًا وسهلًا بكم، وأنا سعيد جدا بلقائك يا أبا عبدالرحمن، وتحية للأستاذ محمد رضا نصرالله، في هذا العام أعطتنا الجنادرية نافذة على التاريخ، من الأمور الجميلة جدا أن نطل من خلال هذه النافذة ونرى تاريخ أبائنا وأجدادنا وحكامنا، فكانت الفعالية عظيمة جدا من كل النواحي، سواء من خلال الكلمات النثرية أو الشعرية التي كتبها الأمير بدر عبدالمحسن، أو الجمل اللحنية التي أعدّها أخي وزميلي الفنان محمد عبده، فهي جمل في منتهى الروعة والجمال ومساوية للحدث، الدراما أيضا في هذا العام تم توظيفها في هذه المناسبة العظيمة بمناسبة مرور 100 عام على تأسيس المملكة، وكان العمل رائعاً جداً وتألق فيه كل الفنانين، ورأينا بروز أساتذة الدراما الكبار عندنا من أمثال الأستاذ راشد الشمراني وعبدالعزيز الحماد والدكتور بكر الشدي ومجموعة رائعة أخرى.

محمد رضا نصرالله: ولكن أستاذ سراج، من وجهة نظر علمية، وأنت متخصص كملحن، ما هو الراي الاكاديمي فيما قدّمه الفنان الكبير محمد عبده من عمل يعتبر إلى حد ما جديداً، إذ قدّم هذه اللوحات اللحنية، على امتداد الأوبريت.

سراج عمر: مما لا شك فيه أن الأستاذ محمد عبده، عاش العمل من أوله، وعرف أساسًا ما الذي سيقوم به من البداية، ولا يستغرب ذلك على الفنان محمد عبده، فهو وليد سنوات وأجيال، فقد عاصر كبار أدبائنا ومفكرينا، ونحن نقول عمل مسرحي، ولكنه أوبرا مسرحية بالمعنى الصحيح، وليست ملحمة، فهي أوبرا مسرحية وجدتها تحمل شخصيتي كمواطن سعودي، وأنا أحترم هذه الشخصية التي تخصني أنا في هذا البلد الطيب الكريم، وأيضا كما نحترم مسرحيات الآخرين الذين لهم رأيهم وفلسفتهم، فلنا الدراما المسرحية الخاصة بنا؛ فلذلك أقول إننا في بداية مرحلة جميلة جدا، بما قدّمه لنا الأمير بدر عبدالمحسن والفنان محمد عبده من لوحة جميلة جدا ونافذة على التاريخ في مسمى أوبرا مسرحية، وأنا شديد الإعجاب والاحترام لهذا العمل، وقد لا تصدق أنني شاهدت هذا العمل حوالي 10 مرات في منزلي.

محمد رضا نصرالله: شكرًا لك على هذه الشهادة، وقد نعود إليك. الأستاذ سراج استخدم مصطلحًا موسيقيًا، الأوبرا، وأنت تقوم بتلحين هذا العمل، لا بد وأنك اعتمدت على مصادر غنائية، استوعبتها من تراثات الجزيرة العربية، ولكن هل للثقافة الموسيقية الحديثة دورًا ما؟، هل قرأت في الأوبرا والأوبريت؟، هل حاولت في هذا العمل أن تقدم أوبرا وطنية أو قومية كما كان يفعل فنانو القرن الثامن عشر والتاسع عشر في أوروبا؟

محمد عبده: هذا العمل هو عمل أوبرالي مسرحي، ولكن ليس من صميم الموسيقى، أنا كنت أنوي ان أجعلها كلها أوبرا مسرحية ملحنة، حتى الحوار الذي كان يؤديه الممثلون، ولكن وقفنا عند عثرة هي: هل بإمكان الممثلين أن يلتزموا بالرتم وبالجمل التي سوف نلحنها؟، فوجدنا أنه من الممكن لواحد أو اثنين منهم الالتزام، مثلًا الأستاذ راشد الشمراني لديه حس موسيقي جميل، ولكن الآخرين لا أدري ما هي إمكانياتهم في الحقيقة، فلذلك اكتفينا بأن تكون هناك فقط أجزاء ملحنة التي هي الأغاني التي هي من صميم الحوار، وأول مرة يحدث هذا في كل الجنادريات ألا نعتمد على الجملة الشعبية الموروثة، إلا في قالب واحد، وهو القالب الخليجي، عندما كان يقول «وقف على السيف وجلس.. يخط في الرمل بعصاه»، هنا استوحيت محمد بن فارس، وأجبرني أن أعمل هذه الجملة وهذا اللون التراثي، ولكن باقي اللوحات كلها ملّحنة بشكل جديد.

محمد رضا نصرالله: الكثير من النقاد رأوا أن الدور الذي تمثّله عبادي الجوهر، والملك عبدالعزيز يغادر الرياض إلى الكويت، كان يؤدي سامريًا، أليس كذلك؟

محمد عبده: شدوا الرحايل.

محمد رضا نصرالله: ألم تر بان فنانًا كسلامة العبدالله كان هو الأجدر لكي يعطي زخمًا لهذا الموقف؟

محمد عبده: هو ليس سامريًا، نحن اعتمدنا رتم الهجن، الخاص بالصحراء والحداة، الرتم فقط ولكن اللحن كان يختلف، وطبعا كان موضوع هذا اللحن لصوت راشد الماجد.

محمد رضا نصرالله: الكثير من الفاكسات والرسائل تسأل لماذا لم يأت راشد الماجد كي يأخذ دوره في هذا العمل الأخير؟

محمد عبده: راشد كان مستعدًا، وجاءني وكان حاضرًا لتأدية أي عمل وطني بهذه المناسبة، وجاء إلى جدة وعسكر لمدة أسبوع تقريبًا، ولكن لجنة الجنادرية كانت قد اختارت الأصوات وهي دائما من بعد المؤلف أو الملحن تختار وتوافق على الأصوات.

محمد رضا نصرالله: وأنت تقدم هذا العمل، وهو بالتأكيد عمل متميز، أنا شخصيًا شاهدته من داخل القاعة وأدهشني كما أدهش غيري، ولكن ألا ترى بأن أوبريت «فارس التوحيد» يضعكم أنت والشاعر، الأمير بدر بن عبدالمحسن، على منعطف جد مهم فيما يتعلق بالتاريخ الفني ببلادنا، هذه الاوبرا أو المسرحية الغنائية الشعرية ينبغي أيضا أن تقود إلى أعمال مماثلة أكثر تطورًا، فلماذا لا تستوحون وأنت الآن تتجه إلى التلحين بعض الثيمات الموجودة في تراثنا ومأثورنا الشعبي؟، فمأثورنا الشعبي كثيرًا ما يقدم لنا قصصًا عن الحب والغرام والإيثار والوفاء، فلماذا لا نرى شيئًا من هذا؟

محمد عبده: دعني أكون صريحًا معك، في الحقيقة تطلعاتنا وأحلامنا هي التي وضعتنا صدفةً في هذه التجربة، فهل كنا نقصد أن تكون بهذه الصورة، وأن تكون فعلًا نواة لغناء أوبرالي مسرحي بهذا الشكل؟، ربما كانت كذلك دون أن ندري، ربما كانت مغروسة في وجداننا، سواء سمو الأمير بدر أو مني أنا، فكنا نعمل على الورق وعندنا تصور لكيفية سير هذا العمل، وكان لدينا تخوف أكبر من التصور، حتى لدرجة أنني قلت إن هذا العمل سوف يفشل فشلًا ذريعًا، أو ينجح نجاحًا ساحقًا.

أول ما حلمت بأن أكون مطربًا، كنت أحلم بان أكون مطرباً للوطن، بداياتي كانت بدايات وطنية مع التراث، وكان يسبق ذلك حلم لأن أكون مطرباً مشهوراً محبوباً من الناس ولدي معجبون، ولكن حبي للتراث.

محمد رضا نصرالله: المستمع لأغاني محمد عبده، دائما ما يجد هذه الذبذبات التراثية، يجد مجسًا حجازيًا هنا، وسامريًا نجديًا من هناك، وأيضا أحيانا تعيد صياغة بعض الفلكلورات الينبعاوية، ولكن الصوت اليمني ما يزال مسيطرًا على تجربة محمد عبده.

محمد عبده: طبعا نحن في تهامة، وفي عسير عموما، الفن مرتبط بالبيئة وما حولها، فعندنا موروث عظيم من التراث ربما هذا أيضاً موجود في عسير، أنت عندما تسمع الفرق القحطانية تغني ستجد أن كل موروثها الذي يتغنون به والموجود في الجبال، هو موجود أيضا في اليمن، فالمخزون الأساسي للتراث الموجود في اليمن، امتد إلى تهامة أيضا وهو امتداد ثقافي سليم وصحيح.

محمد رضا نصرالله: المملكة عموما هي خلاصة للامة العربية أو قل الجغرافيا العربية.

محمد عبده: بدون شك، وستجد أن أهم شيء في الفنان إذا أراد أن يضمن لنفسه الاستمرارية ويريد أن يُذكر، ويريد أن يكون أيضا محتفظًا بهويته بنجاح مستمر، فيجب ان يكون متواصلاً مع التراث.

محمد رضا نصرالله: ولكن هناك من يقول بان محمد عبده كثيرًا ما يأخذ من هذه التراثات الجزيرية دون أن ينسب هذه الأغاني إلى مصادرها التراثية، وكأنها من ألحانه.

محمد عبده: عندما تطور وتضيف، فهذا من حقك أن تضع اسمك، لأن هذا الموروث ليس ملكية لإنسان معروف، هو لك وللجميع، ولكن أهم شيء إذا نقلته مثل ما هو، فيجب عليك أن تضع عليه كلمة التراث.

محمد رضا نصرالله: أستاذ محمد، فيما يتعلق بالعلاقة المشوبة بشيء من الغرابة بينك وبين الفنان الكبير طلال مداح، أنتم زملاء عمر، ومع ذلك تقول في أحد تصريحاتك بأن التعاون بينك وبين طلاح مداح لا يخدم الحركة الفنية في المملكة، بينما تستعد لأن تتعاون مع الفنان والملحن البحريني خالد الشيخ؟

محمد عبده: أنا لم أقل إن هناك تعاون، أو أنني أرفض التعاون، أنا قلت إن تعاوني مع الأستاذ طلال مداح في فترة من الفترات السابقة لم يكن سيخدم الحركة الفنية، لأن التنافس يجعله يقدم أحلى ما عنده، ويجعلني أقدم أحلى ما عندي، فهذا يجعل الساحة ساخنة أكثر، وهذا ما قصدته.

محمد رضا نصرالله: هل هذا يذكر بالمنافسة التي كانت قائمة ما بين عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش، بمعنى أن لكل فنان طريقته وأسلوبه ومريديه؟

محمد عبده: نعم، وطبعا فريد وضع هذه المنافسة، فريد ملحن ومن رعيل عبدالوهاب.

محمد رضا نصرالله: وأنت وضعت هذه المنافسة مع طلال أيضا؟

محمد عبده: طبعا أي فنان يأتي بعد الفنان الناجح يكون منافسًا له.

محمد رضا نصرالله: لهذا كما يُقال تقف حجر عثرة أمام الفنانين الجدد، مثلًا عبدالمجيد عبدالله، الذي قدمته في أواخر الثمانينات الميلادية، مع الفنان حسين قريش في إحدى المناسبات الوطنية، ولكن يبدو في الفترة الأخيرة ثمة تماس بينكما؟، هل هي الغيرة من عبدالمجيد عبدالله الذي قدّم مؤخرًا شريطًا ذائعًا اكتسح الأسواق والبلدان، فوزع حوالي 2 مليون نسخة من شريطه «طيب القلب»؟

محمد عبده: طبعا أنا سعيد جدا بان عبدالمجيد عبدالله فنان سعودي وأن يكون على هذا المستوى من الانتشار، لأنه عندما ينجح فنان سعودي أو أغنية سعودية، فهذا نجاح لنا كلنا، ولكن ما تشيعه الجرائد والمجلات ليس صحيحًا، بالعكس فأنا عمري ما وقفت حجر عثرة أمام أحد، لأنه والحمدلله طوال حياتي الفنية لم يقف أحد كحجر عثرة في طريقي كي أثأر أو تكون لدي هذه العقدة وأثأر لنفسي من الأخرين.

محمد رضا نصرالله: ولكن هناك ثأرًا فنيًا، يُقال بان محمد عبده بعد حفلة «MBC» قدم سيلًا طويلًا من الأشرطة تجاوزت الحد، فماذا يقول في ذلك؟

محمد عبده: أنا كنت متوقفًا لحوالي 7 أو 8 سنوات، فكان لا بد من هذا السيل على ما ذكرت.

محمد رضا نصرالله: هاجس الاعتزال، يبدو أنه قد سكن الفنان محمد عبده منذ وقتٍ طويل، في عام 1983م قلت في حديث للشرق الأوسط، بالنص تقريبًا «أراني باستمرار تراودني فكرة اعتزال الغناء ثم أجد نفسي مرة أخرى لدي دافع يدفعني لأن أغني مرة أخرى».

محمد عبده: وهذا أجمل ما في الفن، أن تجد الفنان لم يصل إلى الدرجة التي يحلم بها، أو لم يصل إلى القناعة التي يحلم بها، فتجده بين نجاح وآخر يكون متعبًا أو مرهقًا، فلا يلبث أن يلتقط أنفاسه ويستريح حتى يحن إلى العودة ليواصل النجاح.

محمد رضا نصرالله: ولكن ما هي ظروف هذا الاعتزال؟، أنت فعلًا توقفت لسنوات، ما هي أسباب هذا الاعتزال والعودة مؤخرًا؟

محمد عبده: كان أهمها هو مرض الوالدة في تلك الفترة، كانت في مرض الموت، وكنت إلى جانبها حيث كانت تمر بالكثير من المعاناة والظروف الشخصية، فقررت التوقف عن العطاء والظهور تماما، إلا في الجنادرية.

محمد رضا نصرالله: التوقف، ورفع الأذان حيث ذكرت أن محمد عبدالوهاب قد طلب منك أن تؤذن، أذنت مرة أخرى، ثم اعتزلت وأهديت الاستوديو الذي بلغت تكاليفه 14 مليون ريال إلى هيئة الإغاثة الإسلامية، هل لهذا علاقة بهذه الفترة الاعتزالية؟

محمد عبده: فترة حرب الخليج، كان لا بد على الإنسان أن يراجع ما قدّمه وما يدور من حوله، تلك الفترة أدخلت فينا كآبة وشعوراً بالقلق وبالحيرة، هل كان هذا صحيحًا ما نحن فيه؟، ما هي الأخطاء التي نحن فيها؟، فكان لدي تشتت فكري، فكانت مراجعة مع الذات والنفس، وقد مرّت على كل من لديه إبداع في تلك الفترة.

محمد رضا نصرالله: معنا مكالمة تسأل عن موقف الفنان محمد عبده من الأغاني المصورة «الفيديو كليب»؟

محمد عبده: طبعا أغاني الفيديو كليب جميلة، وأنا أحبها، حيث تتناسب مع الأغاني الخفيفة، ولكن هنا نفتقد في هذه الفترة الغناء المسرحي، وانا لدي قناعة بضرورة أن أنفرد بهذا اللون، كي أعطي تميّزاً وأيضا لأن أغنياتي معظمها من النوع «المكبلهة»، أو الذي يؤدى بشكل طربي أكثر على المسرح.

محمد رضا نصرالله: الأغنية «المكبلهة»، هذا المصطلح سكّه محمد عبده، ولكن يبدو أن لك موقفًا من الأغاني سريعة الإيقاع، ويبدو ان لك الحق في ذلك، هذه الأغاني أصبحت تقدم بضاعة استهلاكية، نستخدمها كما نستخدم أي شيء تقريبًا لمدة ثم نرميها أو ننساها، على كل حال.. سائل يسأل عن تكريمك في أمريكا؟

محمد عبده: أنا لم أكرم في أمريكا، ولكن أنا أقمت حفلة بمناسبة اليوم الوطني في واشنطن بأمريكا، للجاليات الخليجية والعربية عموما، وكان الإقبال كبير جدا بحمد الله، ولم أكن أتوقع أبدًا هذا الحضور الكمي الهائل من الجماهير العربية غير الخليجية.

محمد رضا نصرالله: محمد عبده وعلاقته مع الشعراء، فهنالك من يقول بأنه محتكر شعريًا، وأنه لم ينفتح بعد على الأجيال الشعرية الجديدة، رغم الكثرة الكاثرة من هؤلاء الذين بدأوا يكتبون وينشرون في صحف ومجلات شعبية.

محمد عبده: كنت دائما أقول إن الفنان، المطرب بالذات أو الملحن، يتأقلم مع جيله، أنا تربيت في جيل أساتذتنا الكبار؛ إبراهيم خفاجي وصالح جلال وثريا قابل ومحمد طلعت، وتتلمذت عليهم، ولكن جيلي الحقيقي هم خالد الفيصل وبدر بن عبدالمحسن والأخرين الموجودين في هذا الجيل، أفهم بحورهم، وأفهم عروض شعرهم، فعندما أقرأ قصيدة لخالد أو لبدر أكون متمكنًا فيها ومستذوقاً للعروض الموجودة بها، فعندما أقرأ قصيدة من غير جيلي تجدني قد أستمتع بها، ولكن قد لا أتفاعل معها مباشرة أو في حينها، أحتاج إلى الوقت كي أستطيع أن أتأقلم مع هذا الشعر.

محمد رضا نصرالله: فيما يتعلق بالتراث، هنا بعض الأسئلة تقول؛ لماذا لا يقدم محمد عبده تجربة جديدة تعيد إلى الأجيال ذلك الفن الراقي، الذي قدمه الكبار، أمثال محمد عبدالوهاب وأم كلثوم؟، لماذا لا تقدم عملًا مطوّلًا؟

محمد عبده: ما هُيئ للموسيقار محمد عبدالوهاب وفناني مصر عموما، ليست إمكانية بسيطة، نحن نفتقر إلى الإمكانيات أو الوسائل التي نقدم بها أعمالنا كعمل محلي 100%، نحن لازلنا بلد غير موسيقي.

محمد رضا نصرالله: تجربة مهرجان عسير السياحي الأخير، أليست جديرة بان يقدم محمد عبده من خلالها تجربة ما أو بالأحرى يكرس تقاليد فنية على هذا الصعيد؟

محمد عبده: تجربة أبها طبعا تجربة رائدة جدا، وهي المحك الحقيقي أو المكان الحقيقي لمحل الأغنية في بلدنا، والتي يجب ان نمارس من خلالها هوايتنا، وبطريقتنا، ومن خلال تقاليدنا ومجتمعنا المحافظ.

محمد رضا نصرالله: ما هو السبب لإعادة توزيع بعض أغانيك القديمة؟، هل هو إفلاس من الحاضر ورجوع إلى الماضي؟

محمد عبده: الماضي جميل، والحاضر أيضا حلو، انا لم أقصّر في إبراز الأغاني القديمة، وفي نفس الوقت إبراز أغاني جديدة، فالهدف الأساسي من وراء ذلك هو أن لدينا جيل لم يستمع إلى أغاني الجيل السابق.

محمد رضا نصرالله: متصل يسأل: إن الأسماء الشعرية النسائية قدمت الكثير على المستوى العربي، فمتى سنرى المرأة الشاعرة تشارك في كتابة أغانيك؟، وسؤالي الثاني هو أنك في أحد لقاءتك السابقة فرحتنا بان هناك تعاون قادم مع الشاعر الكبير حسان، هل تحقق ذلك التعاون؟

محمد عبده: طبعا أنت رأيت مناسبة المئوية، التي قدمنا من خلالها الصوت النسائي، لثقة العاملين في المهرجان وثقتنا بأن للمرأة دورًا موجودًا في الفن، ويجب ان تلعبه من خلال تقاليدنا وقيم مجتمعنا المحافظ.

محمد رضا نصرالله: يُقال بأن محمد عبده أحيانا يتعامل مع بعض الأسماء وكأنه يبيع صوته لبعض المستثمرين، هنالك بعض الناس من القطاع الخاص غنى لهم محمد عبده، فهل هذا يليق بهذه السمعة الكبيرة لهذا الفنان الكبير؟

محمد عبده: أنا لم أغنِ سوى لشركة محمد عبده، وليست لدي أي إنتاجات أخرى.

محمد رضا نصرالله: على كل حال، الحديث معك يحلو، وشكرًا على تلبية هذه الدعوة.

محمد عبده: العفو، وأنا سعيد جدا بلقائي معكم.


عنوان الحلقة على يوتيوب: مقابلة محمد عبده مع محمد رضا نصرالله في برنامج «وجها لوجه» عام 1999م - مدة الحلقة: 1:06:31