آخر تحديث: 23 / 11 / 2024م - 1:09 م

المعرفة وبناء الذات

جهاد هاشم الهاشم

يقول تبارك وتعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ [المجادلة الآية 11].

هناك من الأمور المتفق عليها والتي لايختلف عليها عاقلان. ومنها «التحصيل العلمي» بشتى أشكاله وصنوفه لما يحويه من أهمية عظمى عند بني البشر كافة، فهو البوصلة التي تقود الأشخاص نحو النور والحق والمعرفة ولا شيء على هذه المعمورة يضاهي في أهميته طلب العلم ومحاربة الجهل والأمية والظلام.

إن من صفات عصرنا المُعاش هو سباق الثورة المعلوماتية والمعرفية وفيه يتطور العلم بشكل كبير فلا غنى لأمة من الأمم ولا لفرد من الأفراد عن طلب التحصيل العلمي؛ حتى بات مكوّنا أساسياً لتطور مظاهر الحياة المختلفة في جميع جوانبها ومجالاتها المتنوعة. ويُقصد بتحصيل المعرفة بذل الجهد والسعي والمثابرة في تحصيل العلوم المتعددة، وإثراء شخوصنا بما يكفل لنا حياة كريمة، تتناسب وطبيعتنا الإنسانية. وكذلك له قيمة وفضل كبيران، كما أن له أهمية بالغة في حياة الشعوب إذ لا يرتقي أي مجتمع بمعزل عن المسير في هذا الاتجاه.

ويساعد بناء العلم والتحصيل الثقافي على رفع مستوى الوعي والإدراك للأحداث المحيطة بنا بصورة أكثر نجاحا! بحيث أنه يُمكّن الأفراد داخل المجتمع الواحد من الترابط بشكل مناسب وفعّال تجاه التطورات والمستجدات بصورة راقية وسليمة، وأنه - أي العلم - يُعتبر من أهم عوامل تشييد العقول وبنائها وتقدمها، وبهذا تُبنى الأمم وتتقدم فيُقضى على كل مامن شأنه أن ينال من جسد ونسيج المجتمع، كالتخلف والرجعية والفقر والجهل وغيرها العديد من الأمور التي من الممكن أن تؤخر تطور ورقي الأمم.

لذلك لاشك أن التمسك والمثابرة والاجتهاد في طلب العلم تكون نتائجه جلية وواضحة للعوام فبدونه يصبح الفرد مُنكفئًا ومتقوقعًا على ذاته، بل سيصبح في شعور دائم بالنقص وأنه عنصرٌ غير فاعل في وسط من يحيطون به من أقرانه، وبعدها سنصل إلى مخرجات غير مرضية لايُحمد عقباها على مستوى المجتمع بشكل عام.

ويمكن للعلم أيضًا المساهمة في تطور المجتمع؛ فهو جزء من حضارته وكينونته، كما يعد من العوامل الرئيسة للتخلص من المشكلات التي قد تواجهنا على المستويات الاجتماعية والبيئية، ناهيك عن عقبات كثيرة تظهر لنا ولمن حولنا، والتي يتفشى من خلالها الجهل وازدياد معدلات الجريمة والتسول، وتشغيل الأطفال واستغلالهم بما ينافي حقوقهم، بالإضافة للتدني الأخلاقي وغياب ملموس للقيم والمبادئ، وذهاب الذوق العام أدراج الرياح! وبالمقابل فإن ارتفاع نسبة التعليم واكتساب المعارف بين أفراد المجتمع تحُد - أو تقلل - من هذه الآفات البغيضة، كما يسهم العلم والمطالعة المستمرة في حماية المنظومة الاجتماعية وصيانتها من الوقوع في الهاوية المدمرة والإشاعات والأكاذيب المُغرِضة التي لا غاية لها سوى التضليل وإشعال وقود الفتن بين الأشخاص بعضهم البعض؛ وبالتالي ننتهي إلى نتائج لا يرتضيها العقلاء وأصحاب الفكر النير إطلاقا.

ويساهم التعليم في تطور وتقدم المجتمعات فمن غير الممكن نجاح أي منظومة مجتمعية وجعلها أكثر تحضرا إلا بواسطة التعليم، وتعتمد ثقافة أي مجتمع بالدرجة الأولى على تدريب وتأهيل وتعليم عناصرها وكوادرها حيث أن الأفراد المتعلمين أكثر إلماما لأهمية التخلص من الأساليب النمطية والتقاليد الغير اعتيادية من أجل تحقيق التنمية والتقدم لمجتمعاتهم. كما يساهم الأشخاص المتعلمين في الدفع نحو الأمام للرقي بمستوى عالٍ تجاه وطنهم من خلال المشاركة والمساهمة الفاعلة في جميع مايلزم التواجد في ساحات الإبداع المختلفة؛ وبالتالي فإن التعليم عبارة عن قوة عظيمة لنشر الوعي، وهو السبيل الأمثل للوصول إلى عمل أفضل بفائدة أكبر يعود نفعه على سائر وطننا الغالي وخصوصا أننا في مملكتنا الغالية نحظى بقدر لايمكن وصفه من دعم واهتمام بالغ ومتميز من قِبل ولاة الأمر فيما يخص الدعم اللا محدود لقطاع التعليم بجميع أشكاله العلمية والتقنية والثقافية، وذلك لتذليل الصعاب للناشئة الصاعدة من شباب وشابات بلدنا المعطاء. إذًا لا اعتلاء لمنصات التتويج والإنجاز في سماء العلا وشرف المجد والمفاخر وتعمير دولتنا والتحليق بها في فضاء الرفعة والاقتدار إلا ببناء عقول أبنائنا وتشييدها وتأهيلها قدر المستطاع. وهذا يأتي فقط من خلال العمل الدؤوب والتضحية والشعور بالمسؤولية وشحذ الهمم تجاه حب الوطن.