العيون المهملة والمشروع السياحي.. ”الطيبة“ مثالاً
بينما تتجه محافظة القطيف إلى أن تتخلص من التشوه الحضري، والتلوث البصري الذي تقوم على إزالته بلدية محافظة القطيف، بقيت العيون الأثرية مهملة وكأنها أقرب ما يكون لحاوية تملأها الأوساخ والأحراش. القطيف التي ضمت أكبر تجمع من العيون على مستوى الخليج، وبعد مرور 30 عاماً على نضوبها، لم يستصلح حتى الآن أي من عيونها التاريخية، لا المشهور منها ولا المغمور، لتعود لدائرة النفع الخدمي أو الترفيهي، فأبرز عيونها ومن أكبرها مساحة وتدفقاً للمياه، عين ”الطيبة“ في العوامية كمثال، تترقب مشروعاً سياحياً، ينتظر أن يرى النور منذ سنوات.
وفي هذا السبيل سبق وأن قدم المجلس البلدي بمحافظة القطيف بين عامي 1432 هـ - 1436 هـ ، مخطط مشروع تنموي سياحي بمساحة 4 آلاف متر مربع لتحويل عين الطيبة التي تبلغ فوهتها 20 م طولاً، وتنور يبلغ عمقه 10 م والذي يشكل خطراً على الأطفال، ويدعو إلى التدخل السريع، وانتهى بها إلى طرح فرصة استثمارية في عام 1440 هـ ، لم يجدد طرحها، ولم يظهر غير هذا المشروع لعيون أخرى. هنا من المناسب لصناع القرار في المنطقة مراجعة ثلاثة أمور حيال ضرورة النظر في مشروع إحياء العيون، ومنها عين الطيبة على سبيل المثال، لا الحصر.
ويتمثل الأمر الأول في الاتجاه الرسمي العام نحو احياء التراث الوطني في مناطق المملكة. ولا حاجة للقول إن إحياء التراث يعد وسيلة للإبقاء على الروافد التاريخية التي تتمتع بها بيئة ما، فالحاجة إلى استصلاح مواقع العيون التاريخية، خاصة المشهور والبارز منها، يحقق الإبقاء على حضارة اندثرت، ويشجع على حضورها في ذاكرة الأجيال. شكلت عين الطيبة جزءا مع الذاكرة التاريخية للمنطقة، وللأهالي الذين عاصروها وما زالوا يحكون قصص المشي إليها، ومناسباتهم التي أقيمت فيها، ويومياتهم التي اعتمدت على مياهها من سقي وزرع وغسيل. فإحياءها سيكون منسجما مع الاتجاه الرسمي في إبراز الهوية التراثية للمنطقة خاصة والمملكة عموما.
ويترتب على ذلك، الأمر الثاني، وهو تمكين إقامة المشاريع السياحية الممكنة في مواقع العيون المهملة. فإحياء التراث دون تسويق سياحي جاذب هو أمر غير مجد ومدعاة للاندثار، فالمشاريع السياحية في المواقع التراثية داخل السعودية وخارجها اليوم كونت رمزية لنفسها، واستقطبت السياح الباحثين عن التراث الصامد أمام الحداثة، بل وحققت نجاحات على مستويات عدة، أبرزها استصلاح التراث ليواكب الحاجة العصرية، وتمكين الأيدي العاملة الوطنية بوظائف تقضي على البطالة، وتحفز المكنونات الوطنية، بل إنها توظف القوة الناعمة التي باتت تتسلح بها الدول في ممارسة التأثير. عين الطيبة كحديقة مائية أو غيرها من العيون التي يمكن ضخ المياه فيها بفعل المضخات المائية والاستفادة منها عبر استصلاحها للسباحة أو سقي المزارع مشروع يمكن دراسته وتحقيقه، وتحويل عين الطيبة لمشروع سياحي يحقق ذلك ويعزز مكانتها التاريخية التي تستحق.
وفيما يتعلق بالأمر الثالث، فمن البديهي حين تصنع السياحة، فأنت تصنع رافدا اقتصاديا جديدا، والاستثمار هو السبيل لذلك. إن العوائد المالية للمشاريع السياحية كبيرة، سواءً كانت بطابعها الترفيهي أم الثقافي، أو حتى التراثي، فالأهالي يقبلون عليها، بكل أنواعها، وأما الاستثمار في المشاريع التراثية فهو يساعد على استمرارية تطوير المشروع وخلق التنافسية، والعيون في محافظة القطيف مواقع تاريخية يمكن ان تحقق مكوناً هاماً داخل مشاريع استثمارية، فاستغلال هذه الروافد السياحية في الربح منها على المستوى المالي، وتحقيق الجمالية التي تبحث عنها العيون وتغريها، عبر تحريك العجلة التنموية في المنطقة. إن الاستثمار في العصر الحالي عصب كل مشروع.
اعتمدت مناطق عديدة في المملكة والقطيف منها على العيون قديماً في سقي مزارعها، وفيها ظهر أمهر السباحين، واستخدمت في حاجات الأهالي اليومية في أمور الغسيل والاغتسال، وتمكين عودتها كمشاريع سياحية مكونة من ينابيع اصطناعية، وأماكن ترفيهية، أمر لا جدال فيه. فهل نجد من صناع القرار لفتة جديدة تنسجم مع التوجه الوطني العام؟، وهل نجد من يقرع جرس المبادرة بالاستثمار؟... نُصبح وتصبحون!
صورة من مشروع المسطحات المائية بالعوامية - المجلس البلدي بمحافظة القطيف الدورة الأولى