آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

المتدينون أيديولوجيا: ازدواجية المعايير

حسن آل جميعان *

هل المتدين عندما يمارس أكثر من دور في خطابه وسلوكه الديني أمر حسن أم يعتبر ذلك عمل لا أخلاقي؟

هذا السؤال محير ومقلق بالنسبة لي على الأقل، لأن المتدين دائما ما يسوق إلى جمهوره إنه يمارس «المنهج القيمي الأخلاقي» الذي لا مواربة فيه وهو دائما مع الحق والباطل بعيدا عنه ومنهجه غير خاضع للأهواء أو المصالح لأنه بذلك يريد ابتغاء مرضاة «الله» لغرض الحصول على الجزاء الأخروي وهو «الجنة» لكن هذا فيه نوع من اللعب على عقول الناس البسطاء، لأن المتدين في كثير من خطابه وسلوكه ومواقفه يكون خاضع لحساب لغة المصالح التي تخدم المشروع الذي يتبناه طبعا «الدفاع عن الحق» وكأن كل الناس المخالفين له وإلى منهجه على باطل وهو الوحيد الذي يمتلك الحق والصواب، ما نريد معرفته هو من أين له ذلك الحق وما هي ماهية الحق الذي هو حكر عليه فقط وفقط؟!!.

دعونا نقرب الحالة أكثر عندما يقول المتدين أن «العنف» عمل غير أخلاقي وليس من صفات «المؤمن» طبعا الذي يتفق معه جملة وتفصيلا وأما المخالف ليس له محل من الإعراب كما يقول أصحاب اللغة، نريد أولا معرفة ماذا يقصد بالعنف؟ وهل العنف المادي أم المعنوي أو النفسي أم اللفظي؟ أم أن العنف مشروع بجميع أشكاله وهو وسيلة لدفاع عن الحق كما يدعي أم ماذا؟ مع العلم أن العنف المادي أو المعنوي كلها لا يمكن تفسيرها غير أنها « عنف » وخطير أيضا وقد يكون «العنف المعنوي» أشد وأكثر خطرا من غيره، هذه الحالة كثير ما يمارسها المتدين لضرب خصومه والنيل منهم وما نشهده في الواقع الإسلامي لخير دليل وشاهد على ذلك من انتشار الإرهاب والقتل على الهوية والتعصب والكراهية والسجالات الطائفية بين المذاهب الإسلامية المختلفة.

الحالة الثانية: وهي متعلقة بممارسة الغيبة والنميمة مع المختلف أو الآخر أي الكلام على الغير المخالف من خلفه ووصفه بأشياء ليست فيه للحط من منزلته ومكانته عند الناس وهذا من الأمور المحرمة شرعا وأخلاقيا كذلك لكنه يبرر ذلك من خلال المقولة المشهورة « لا غيبة لفاسق ». الغريب في الأمر أن هذا المتدين يدعي الالتزام الديني ومع ذلك يمارس الأعمال المحرمة «الغيبة والنميمة» ويترك الأعمال التي حث عليها الدين وأمر بها ومع ذلك هو يزايد عليك ويشهر بك بدافع الغيرة على الدين كما يدعي، لو تأملنا لماذا يقوم البعض بهذه الممارسات السلبية من غيبة وتشهير وغيرها؟ سوف نكتشف أن معظمها اختلاف في الأفكار ووجهات النظر التي ضاق «المتدين» منها درعا وتشنجا لذلك يستخدم قاعدة «الهجوم خير وسيلة للدفاع».

عرفتم من خلال المثالين السابقين أو الحالتين تلك الازدواجية التي يمارسها «المتدين» ويسوقها على الناس أو جمهوره الذي يتبعه هذا في الحقيقة يمارس عملا ذا طابع سياسي لكن تم تغليفه بخطاب ديني لكي لا يخسر الهالة القدسية التي تلبسها وهي أشبه بالدرع الذي يحميه ويحصنه من الهجمات التي قد تسببها ازدواجيته ونرجسيته التي قد تمنعه في التفكير بالعمل الذي يقوم به، هل هو لصالحه أو العكس؟ من شدة حماسته لا يلتفت في كثير من الأحيان لذلك لأنه كما يدعي أصبح يمتلك «الحق» وهو الممثل الشرعي على هذه الأرض وأي مختلف حتى ولو يشترك معه في نفس الدين أو المذهب هو على باطل.

لذلك «المتدين المزدوج» لديه حالة فرز غريبة جدا في تقريب من يرغب وإقصاء أي شخص يشعر أنه يمثل له تهديد سواء كان التهديد في شرعيته الأيدلوجية أو الاجتماعية التي تمثل الكتلة البشرية التي يستند عليها وهو بكل الأحوال لا يريد خسارتها لأنها الحصن الحصين ورأس ماله في تمرير ما يؤمن به من أفكار والمحافظة على التراث ومحاربة كل من يدعو إلى غربلة التراث أو الموروث التاريخي الذي يشكل الشرعية الوجودية له وهويته كذلك.

وفي الختام نشير إلى الحقيقة التي ذكرها الدكتور عبدالكريم سروش في كتابه «العقل والحرية» ص196: « الحقيقة أن الإنسان كلما امتلك قدرة أكبر ينبغي عليه أن يتحلى بعناصر الخير والأخلاق بشكل أكبر، وإلا فسيختل التوازن بين التطور الحضاري وبين حالة الناس الاجتماعية والأخلاقية وستفضي القدرة إلى مزيد من الفساد والشر، فعندما تكون ذكيا ويتحرك ذهنك بصورة جيدة ودقيقة فلا بد أن يقترن ذلك بأن تكون أخلاقيا أيضا وإلا فإن هذا الذكاء سيؤدي إلى إلحاق الضرر بالآخرين من خلال إساءة استخدام هذه الموهبة».