التجربة القيادية «نقاط القوة»
قال الله تعالى: ﴿وسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ النحل 12
ومن أقوال الإمام علي : «الإنسان أخذ العقل من الملائكة والشهوة من الحيوان، فإذا غلب عقله على شهوته
أصبح أعلى مرتبة من الملائكة، وإذا غلبت شهوته على عقله أصبح اردء من الحيوان» شرح الأحاديث الشريفة/الأربعون حديث الثانية
نحن الآن في الفصل الثالث من الجزء الثاني الموسوم «Research Perspectives On leadership» ”بحوث في آفاق القيادة“ من الكتاب العنون Leadership Experience» «The ”التجربة القيادية“،
ونبدأ بالسؤال الاتي:
- 2-3: هل نقاط القوة هي سمات شخصية؟ ص43
إن نقاط القوة ليست سمات شخصية فقط، ولكنها أنماط من السلوك. وبدل من النظر إلى السمات الشخصية الفردية، فإن برامج بحثية مختلفة في سلوك القيادة طالبات بكشف النقاب عن السلوكيات التي يتشارك فيها القادة المؤثرون، والسلوكيات التي بالإمكان تعلمها أكثر من الطباع، وتجعل القيادة بإمكان الجميع الوصول إليها.
- 2-3 - أ - ما هو الفرق بين السلوكيات «الأوتوقراطية» والسلوكيات «الديمقراطية»؟
في أحد الدراسات التي خدمت كرائدة للأساليب السلوكية لوحظت الأنماط الاستبدادية والديمقراطية للقيادة. والقائد «الأوتوقراطي» المستبد يجنح إلى تركيز السلطة، ويستمد قوته من منصبه، ومن التحكم في المكافئات ومن الاكراه. والقائد «الديمقراطي» الجماهيري يفوض السلطة إلى الآخرين، ويشجعهم على المشاركة، ويعتمد على معرفة مرؤوسيه لإكمال المهام، وعلى احترامهم من أجل التأثير.
- ما هي نتائج الدراسات الاولية في سلوكيات القيادة؟
إن الدراسات الاولية في سلوكيات القيادة والتي ضمت مجموعات من الاطفال، والتي كان لكل مجموعة منها قائدها المحدد البالغ، والذي أرشد للعمل بأسلوب ديمقراطي أو أوتوقراطي. وهذه الاختبارات انتجت بعض النتائج المثيرة للإعجاب. فالمجموعات ذات القيادة الاوتوقراطية أدت مهامها بنجاح مدام قائدها موجود يشرف عليها. غير إن أعضاء الفريق كانوا مستائين من اسلوب القيادة الاستبدادية «أوتوقراطية» المغلقة، وكان الشعور بالعدوانية كثيراً ما يتعالى بينهم. وكان اداء المجموعات التي عين لها قادة «ديمقراطيين» جماهيريين مثلهم في الجودة، ولكن تميزت بالإحساس الايجابي، بدلاً من العدواني. بالإضافة إلى أنه وتحت اسلوب القيادة الديمقراطية أدى افراد الفريق واجباتهم بشكل جيد حتى في غياب القائد. وإن التقنيات التشاركية وحكم الاكثرية في أخذ القرار المستعمل بواسطة القائد المدرب ديمقراطياً، ومشاركة اعضاء الفريق جعلهم يؤدون واجباتهم بشكل جيد، مع وجود وعدم وجود القائد. وهذه المميزات للقيادة الديموقراطية يمكنها جزئياً شرح لماذا اعطاء الصلاحيات للموظفين توجه شائع في شركات اليوم. وإن القادة الديمقراطيون يمكنهم الحصول على أفضل النتائج لأنهم يفسحوا لتابعيهم أن يشعروا بسلطتهم وقيمتهم.
- ما هو المفهوم الضمني الذي يحتويه هذا العمل؟
هذا العمل المبكر يحتوي على مفهوم ضمني، وهو أن القادة أما أن يكونوا اوتوقراطيين أو ديمقراطيين في نهجهم. ولكن بحث آخر يشير أن سلوك القيادة يمكن أن يكون استمراري ويبرز كميات مختلفة من مساهمة الموظفين. ومن ثم، فقائداً يمكنه أن يكون اوتوقراطياً «مركزية الإدارة»، وآخر ديمقراطي «مركزية المرؤوسين»، وثالث مزيج من النمطين.
- إلى أي مدى يجب أن يكون القادة ذو «مركزية إدارية» أو «مركزية مرؤوسية»؟
لقد اقترحت الدراسة أن هذا يعتمد على ظروف المؤسسة، والقادة يمكنهم تكييف سلوكياتهم لتتناسب مع الظروف. فإذا كان هناك ضغوط وقتية على القائد، أو إن المرؤوسين سوف يأخذوا وقتاً طويلاً لتعلم كيفية اتخاذ القرارات، فالقائد سوف يميل لاستعمال نموذج الاوتوقراطي. ولكن عندما يكون المرؤوسون قادرين وجاهزين لتعلم مهارات أخذ القرارات، فالنموذج الديمقراطي ممكن استعماله. بالإضافة إلى إن وجود فروقات مهاراتية كبيرة سوف تضطر القائد إلى استعمال النموذج الاوتوقراطي، لصعوبة رفع المرؤوسين إلى مستوى تخصصه.
- ماذا بينت الاكتشافات عن القيادتين الاوتوقراطية والديمقراطية؟
إن الاكتشافات عن القيادتين الاوتوقراطية والديمقراطية بينت أن سلوك القيادة لها تأثير محدد على النتائج، مثل أداء التابعين ورضاهم. ويوازيه في الأهمية ملاحظة أن القيادة المؤثرة تنعكس في السلوك، ولكن ليس ببساطة ما يمتلكه القائد من طباع شخصية. وعلى سبيل المثال، يعتقد البعض إن أفضل طريقة لجعل شركة ما تعمل بطريقة سلسة هو إعطاء كل شخص صلاحية الدخول إلى المعلومات المهمة، ومنحه الحرية والمسؤولية ليعمل عليها، وبعدها الابتعاد عن المشهد. ولقد كان بعض الرؤساء لا يذهبون إلى مكاتبهم معظم الايام مع إنهم يحبون السيطرة، ومملؤون بالقلق ومهوسون بتحقيق الاهداف. فلقد أدركوا أن العمل من البيت أكثر الوقت هو أفضل طريقة لحماية الشركة من نزعة التدخل في كل صغيرة وكبيرة. وهذا يشير إلى أن القادة قادرون على تبني سلوكيات تقريباً معاكسة لطباعهم الفطرية، متى ما كانت ضرورة.
- 2-3 - ب: هل تنعكس القيادة في السلوك؟ ص46
إن فكرة القيادة تنعكس في السلوك، وليس فقط في الملامح الفردية التي قدمت التركيز للبحوث اللاحقة. وفي أحد سلاسل الدراسات الاولية عن سلوك القيادة قام الباحثون بدراسات استقصائية لتعيين الابعاد المحددة لسلوك القائد. ومع تضييق القائمة من 2,000 من السلوكيات، إلى استبيان يحتوي على 150 نموذجاً محدداً، وتطوير استبياناً لمواصفات سلوك القائد تم مناولتها إلى الموظفين. وإن المئات من الموظفين استجابوا للعينات المختلفة تبعاً لدرجة انخراط قادتهم في هذه السلوكيات. وبتحليل التقييمات نتج عنه اثنان من الفئات واسعة النطاق من سلوك القائد، أطلق عليه بعدها اعتبارية وهيكلية ابتدائية.
- ما هي السلوكيات الاعتبارية؟
فالسلوكيات الاعتبارية: تصف مدى اهتمام القائد بمرؤوسيه، واحترامه لأفكارهم ومشاعرهم، وتأسيسه للاحترام المتبادل. وإن اظهار التقدير، والاستماع بعناية إلى المشاكل، والسعي للحصول على مشاركات المرؤوسين بخصوص القرارات المهمة، كلها أدلة على اعتبارية السلوك.
- ما هي سلوكيات الهيكلية الابتدائية؟
وإن الهيكلية الابتدائية: تصف مدى كون القائد ذو توجه عملي، ويوجه انشطة المرؤوسين العملية باتجاه تحقيق الاهداف. وهذا الصنف من سلوك القائد يشمله توجيه المهام، وجعل الناس يعملون بجد، والتخطيط، واعطاء مواعيد واضحة لأنشطة العمل، والحكم بيد من حديد.
- هل يمكن للقائد عرض درجات عالية أو دنيا من نوعي السلوك؟
ومع إن الكثير من القادة هم ضمن سلسلة متصلة تضم سلوكيات الاعتبارية والهيكلية الابتدائية، وفئات السلوك هذه تعتمد على بعضها. وبكلمات أخرى، فإن القائد يمكنه عرض درجات عالية أو دنيا من نوعي السلوك. بالإضافة إلى إن القائد يمكنه اظهار درجة عالية من الاعتبارية، ودرجة متدنية من الهيكلة الابتدائية، أو درجة متدنية من الاعتبارية، ودرجة عالية من الهيكلية الابتدائية من السلوك. وإن البحوث اشارة إلى أن جميع نماذج التركيبات الأربعة للقائد يمكنها أن تكون مؤثرة.
- ماذا عرضت الدراسات التي ربطت بين نموذجي سلوكيات القائد؟
إن الدراسات الإضافية التي ربطت بين نموذجي سلوكيات القائد وتأثيرها على المرؤوسين، عرضت بداية أن المشرفين الذين يحترمون رغبات الآخرين كان عندهم تأثيراً أكثر إيجابية على رضا المرؤوسين، أكثر من المشرفين الذين يتبعون النموذج الهيكلي. فمثلاً متى ما عُرف تأثير القائد بواسطة دورة رأس المال الطوعية، أو كمية التظلمات التي قدمها المرؤوسون، فإن القادة الذين يحترمون رغبات الآخرين أنتجوا دورة راس مال أقل وتظلمات قليلة. ولكن الابحاث التي تستعمل معايير الاداء مثل النتائج الجماعية والانتاجية، أوضحت أن سلوكيات الهيكلية الابتدائية صنفت أنها مؤثرة أكثر. والدراسات الأخرى والتي ضمت قادة الطائرات ورؤساء ادارات الجامعات أظهرت أن القادة صنفوا مؤثرين بواسطة مرؤوسيهم بمستوى عالي في السلوكين الاعتباري والهيكلية الاولية. بينما القادة الذين صنفوا أقل تأثيراً، أظهروا مستويات أقل في كلا نموذجي السلوك.
- 2-3 - ج: هل القادة ذوي السلوك مركزية الموظفين يتوافقون مع مفهوم الاعتبارية؟
احدى الدراسات أخذت مقاربة مختلفة بواسطة المقارنة المباشرة لسلوك المشرف المؤثر والغير مؤثر. وإن تأثير القادة حدد من خلال انتاجية مجموعة المرؤوسين. وإن الدراسات الميدانية الأولية والمقابلات في مواقع العمل المختلفة اعطت الطريق إلى الاستبيان، ولكن ليس على العكس مما يسمى الاستبيان المؤسسي. والباحثون قرروا صنفين من سلوكيات القيادة، وكل صنف يتكون من بعدين.
البعد الأول هو: سلوك مركزية الموظفين: فإن القادة عرضوا التركيز على الاحتياجات الانسانية للمرؤوسين. ودعم القادة وتسهيل التفاعل هما الابعاد الاساسية لسلوك مركزية الموظفين. وهذا يعني أنه وبالإضافة إلى اظهارهم الدعم إلى مرؤوسيهم، فإن قادة مركزية الموظفين يسهلون التفاعل الإيجابي بين التابعين لهم ويحاولون تقليص التعارض. وإن قادة ذوي مركزية الموظفين يتوافقون مع مفهوم الاعتبارية.
- كيف هو القائد ذو المحورية الوظيفية؟
وفي مقابل القائد ذو محورية الموظفين، القائد ذو المحورية الوظيفية الذي يوجه الانشطة باتجاه الجدولة، وانجاز المهام، وتحقيق الكفاءة. وإن التركيز على الأهداف وتسهيل العمل هي ابعاد هذا السلوك من القيادة. وبواسطة التركيز على الوصول إلى أهداف المهام، وتسهيل هيكلية الاعمال، فإن سلوكية مركزية المهام تتقارب من الهيكلية الابتدائية.
- من الذي بخصائصه السلوكية يحدد أحد النموذجين؟
وبخلاف النماذج الاعتبارية والهيكلية الابتدائية، فإن الباحثين اعتبروا القيادة ذات مركزية الموظفين ومركزية المهام أنماطاً متميزة متعارضة أحدها مع الآخر. والقائد هو الذي يحدد بخصائصه السلوكية أحد النموذجين أو الآخر، ولكن ليس بهما جميعاً. وسمة مميزة أخرى من أحد الدراسات هو التسليم أن عادة سلوكيات التركيز على الاهداف، وتسهيل الاعمال، والدعم، والتسهيل التفاعلي يمكن أداءه بشكل ذو معنى بواسطة الزملاء المرؤوسين، وبعدها بواسطة القائد المحدد. وإن الناس الآخرين في المجموعة يمكنهم تموين هذه السلوكيات، وهو الذي يعزز الاداء. وبالإضافة إلى ذلك، وخلال إظهار سلوك القائد والتأثير على أداء ورضى المرؤوسين، فإن الأداء يتأثر أيضاً بواسطة عوامل أخرى لها علاقة بالحالة التي فيها يعمل القادة والمرؤوسين.
- 2-3 - د: ما هي شبكة القيادة؟
إن نظرية ثنائية الابعاد المقترحة تدعى شبكة القيادة. وبناء على ندوة امتدت لأسبوع واحد صنف الباحثون القادة على مقياس من واحد إلى تسعة، وحسب معيارين: الاهتمام بالناس والاهتمام بالإنتاج. وإن الدرجات لهذه المعايير ثبتت على شبكة لها محاور تقابل كل اهتمام، كما يلي: إن إدارة الفريق «9,9» عادة ما تعتبر النموذج الأكثر تأثيراً ويوصى بها، لأن أعضاء المؤسسة يعملون مع بعضهم لتحقيق مهام معينة. وإدارة النادي الريفي «1,9» يحدث عندما يعطى التركيز الاساسي إلى الناس بدل من انتاجية العمل. وإدارة الامتثال للسلطة «1,9» تحدث عندما تكون الكفاءة في أداء العمليات هو التوجه السائد. وإدارة منتصف الطريق «5,5» تعكس كمية معتدلة من الاهتمام لكل من الناس والانتاج. والادارة الفقيرة «1,1» تعني غياب فلسفة القيادة؛ وإن القيادة تبذل مجهوداً قليلاً باتجاه العلاقات الشخصية التبادلية في انجاز العمل.
- 2-3 - هـ: ماهي نظرية ”عال - عال“ للقائد؟
إن أنماط القيادة الموصوفة بواسطة الباحثين تتعلق بالمتغيرات التي تقريباً تتطابق مع بعضها: وهي الاهتمام، والنموذج الابتدائي، ومركزية الموظفين، ومركزية العمل، والاهتمام بالناس، والاهتمام بالإنتاج. والبحث في مناهج السلوك بلغت ذروتها في أسلوبين من سلوكيات القيادة المسيطرة - التوجه للناس، والتوجه للمهام. وإن المكتشفات عن اثنين من الابعاد الاساسية، وعن احتمالية اعطاء تصنيف عالي للقادة في كلا البعدين، رفعت ثلاثة اسئلة للتفكير فيها.
وأولها هو: هل هذان البعدان هما أكثر السلوكيات أهمية للقيادة؟
وبالتأكيد هذان السلوكان مهمان، فهما يستوليان على جوهر الجوانب الأساسية للسلوك الانساني، والذي يجب اعتباره لنجاح المؤسسة.
والثاني هو: لماذا هذان البعدان قهريان؟
هذان البعدان قهريان، لأن الاكتشافات كانت مبنية على بحث تجريبي. والذي يعني أن الباحثين ذهبوا إلى الميدان لدراسة قادة حقيقين عبر إطارات مختلفة. ومتى ما كانت التيارات المستقلة للبحث الميداني وصلت إلى استنتاجات مشابهة، فيحتمل أنها تمثل سمة اساسية في سلوك القيادة.
- ماذا حددت بعد مراجعة 50 سنة من بحوث القيادة؟
بعد بمراجعة 50 سنة من بحوث القيادة حددت سلوك التوجه للمهام وسلوك التوجه للناس، كتصنيفات أولية لها علاقة بالقيادة المؤثرة في دراسات عديدة. وإن الاهتمام بالمهام والاهتمام بالناس يجب أن يظهر باتجاه التابعين في بعض المستويات المعقولة، أما بواسطة القائد أو بواسطة أناس آخرين في النظام. مع إنها ليست السلوكيات المهمة الوحيدة، ولكنها تحتاج إلى عناية.
- هل الاهتمام بالناس أو بالمهام موجودان مع بعضها في نفس القائد، وكيف؟ ص51
ونظرية الشبكة تناقش أنهما كلاهما موجودان متى ما عمل الناس مع أو من خلال الآخرين من أجل تحقيق مهمة. ومع إن القادة يمكن أن يكونوا قمة في نموذجهم، لكن هناك يمان كبير أن أفضل القادة هم قمة في كلا السلوكين.
- هل الناس واقعاً يغيرون أنفسهم إلى قادة قمة عند الاهتمام بالناس أو المهام؟
في الخمسينات والستينات من القرن العشرين، كان افتراض الباحثين أن سلوكيات القادة المؤثرون بالإمكان محاكاته بأي شخص يتمنى أن يكون قائداً مؤثراً.
وبشكل عام يبدو أن الناس يمكنهم بالفعل تعلم سلوكيات القائد الجديدة. ومع إنه قيادة ”عال - عال“ ليست النموذج المؤثر الوحيد، فلقد قام الباحثون بالنظر في هذا النوع من القائد كمرشح للنجاح في حالات واسعة ومتنوعة. ومع ذلك فإن الجيل التالي من دراسات القيادة صقلت الفهم عن الحالات، ووجهت الاهتمام بتحديد أكثر متى ما كان كل نوع من سلوك القيادة أعظم تأثيراً.