آخر تحديث: 24 / 11 / 2024م - 12:29 ص

آدم وبيت العائلة «بيت العود»

حسين نوح المشامع

اضطر آدم إلى بناء بيت عائلته، كيما تستقر فيه بعد عناء التنقل، من بيت إلى آخر ومن حي إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى. كما تستقر وتعود الطيور المهاجرة إلى مسقط رأسها عندما يحين وقت تزاوجها ووضع بيضها، بعد عناء التنقل والسفر عابرة للقارات الشاسعة والبحار المتلاطمة بحثا عن المأكل والمأوى.

كما علمنا سابقاً، آدم لم يبني بيت العائلة لأنها بحاجة إليه، ولكنه كان مجبراً لا بطلاً. ولأنه وبحسب تفكيره التجاري البحت، يحسب كل شيء بنسبة الربح والخسارة التي تعود عليه. فإذا كان المكان الذي يسكنه لا يجني منه ربحاً وافراً، أو يبعد عنه خسارة فادحة، فعدمه خير من وجوده.

بنى بيت العائلة، لأن بيته السابق، كما نعلم، كان مؤجراً مدرسة حكومية، ولا يعلم على التحديد متى يستغنى عنه. وإن المبالغ التي كان يدفعها مقابل إيجاره لبيت العائلة يأخذ جزءاً لا يستهان به من الدخل السنوي الذي يستلمه.

توجه إلى بلدية قريته عازماً على شراء أرض العائلة. توجه وكأنه فارس جبار وغواص بارع يمخر عباب البحار المتلاطمات ويرقى قمم الجبال العاليات. ذهب وهو يتلمس جيوبه محاولاً التأكد من وجود نقوده فيها. ذهب متبختراً كطاووس ناشراً ريشه ورافعاً ذيله متباهياً بهيكله على أقرانه. ولكنه اصطدم بعقبة يراها هو كؤودا. فكيف يمكنه تجاوزها؟؟

كانت قيمة الأرض في ذلك الوقت، أي قبل ما لا يقل عن خمسين سنة، خمسة آلاف ريال. وكان ذلك مبلغاً في ذلك الوقت عظيماً، إذا ما قورن بالقوة الشرائية، يوما كان الربع ريال يسد الرمق ويبعد الجوع والعطش. وافق على مضض وانتزع المبلغ من نفسه انتزاعاً، كما الوليد يخرج من بطن أمه رغماً عنه، وهو يصرخ ويستغيث، خوفاً الخروج إلى حياة أخرى وعالم آخر لم يعهده.

وافق على الدفع، ولكن طلب منه شراء الأرض التي بجوارها؟؟ أي خمسة آلاف أخرى؟؟ وافق مرغماً على شراءها، وهو ليس بحاجة إليها ملحة. وافق بعد أن أقدم المسؤولون على إقناعه، وتعهدوا له أنه لن يخسر شيء، بل هو الرابح الوحيد في هذه الصفقة، وأن المستقبل سيثبت له سداد رأيهم. كانت الأرض على شارعين رئيسيين، شمالي وشرقي. ولديه جار من الناحية الغربية، وأرضه الثانية من الجهة الجنوبية.

خطط بيت المستقبل أو بيت العمر رغم مساحة إلا أرض الصغيرة التي لا تتجاوز أربعمائة متراً مربعاً، واقتطع جزءاً كبيراً منها كحديقة أمامية، رغم أنها لم ترى النور ولفترة طويلة. أما بقية البيت فكان كالتالي: الجزء الشرقي كان لمنافع الضيوف الذين ندر حضورهم. وكان سهمهم مجلس وغرفة طعام وحمام. وحرم استعمال هذه الغرف لغير ما خصصت له، حتى تزوج بالثالثة. وكان مساحة كل من الغرفتين عشرون متراً. وكان مساحة الحمام أربعة أمتار. وأمامها ممر لا يقل عن مترين عرضاً وعشرة أمتار طولاً.

أما الجزء الداخلي فكان مخصص للعائلة، وكان أشبه بالقلعة المحصنة المغلقة. يتكون من مطبخ بمساحة 25 متراً مربعاً، وثلاث غرف نوم، كل منهن لا يتجاوز 16 متراُ مربعاً. ورغم مساحة المطبخ الكبيرة نسبياً لا توجد به خزائن تكفي لتخزين وحفظ الأغذية لذلك الجيش الكبير من الأولاد والبنات، لذا ترى المونة ملقاة في الزوايا.

خصص غرفتين لزوجتيه، والثالثة لنوم وجلوس الأولاد والبنات، رغم كثرة عددهم. وفي وسط هذه القلعة المحصنة هناك صالة بمقاس الغرف، هي أشبه بالممر، تطل عليها تلك الغرف. كما لا ننسى الحمام الذي تقدر مساحته بأربعة أمتار مربعة فقط، ذلك اليتيم المحشور بقوة بين غرفة الأبناء والمطبخ. فكيف لنا أن نتصور ذلك الطابور من البشر وهو يستعدون لقضاء حاجتهم، فيضطرون رغم المنع والحصار من استعمال حمام الضيوف، ولكن تحت أستار الغيب وظلمة الليل.

للبيت سور خارجي وله بابان، أحدهما لخروج الضيوف من الجهة الشرقية، والآخر لخروج العائلة من الجهة الشمالية. وكان للبيت مدخل سيارات من الجهة الشمالية الغربية، تحول مع الوقت إلى مخزن للبضائع، ثم إلى دكان، تقوم عليه أحد زوجتيه.

أما الأرض الإضافية التي أجبر آدم على شرائها، فكانت جنوب بيت العائلة وملاصقة له، فلقد بقيت لمدة طويلة مسورة دون بناء، تستعمل مخزن للبضائع في وقت ما، ثم زريبة للبهائم في وقت آخر، حتى قرر آدم بنائها باسم أحد أولاده، وبقرض من بنك الدولة.