آخر تحديث: 21 / 11 / 2024م - 3:01 م

كتاب الحراك الشيعي في السعودية.. ورومانسية الأقلية

حسن آل جميعان *

يعتبر التاريخ من المحطات المهمة في تشكيل العقلية الاجتماعية والسياسية للجماعات على هذه الأرض، بكل ما تحمله هذه العقلية من مخزون تاريخي بإيجابيته وسلبيته بالنسبة للجماعات التي تنتمي لهذا التاريخ واتجاه نظرتها لذاتها سواء أكانت منتصرة أو مهزومة. وفي العادة من يكتب التاريخ هو المنتصر وليس المهزوم، لأن الجماعة المهزومة تفكر كيف تعيد تركيبتها وإحياء نفسها من جديد لكي تتعافى وترجع إلى الحياة مرة أخرى.

كتاب الحراك الشيعي في السعودية تسييس المذهب ومذهبة السياسة للكاتبين بدر الإبراهيم ومحمد الصادق قلب هذه الصورة من خلال تسليط الضوء على التاريخ السياسي لشيعة المملكة وتقديم صورة بانورامية للوضع النضالي والحركي بعد أحداث «1400ه - 1979م» إلى وقتنا الحالي من خلال لقاءات موسعة مع أبرز القيادات والناشطين الشيعة في تلك الفترة والفترة الحالية.

هذا الكتاب الذي يجذبك إليه عند قراءتك له فيه الكثير من النقد الموجهة إلى الطائفة الشيعية بشكل خاص، وإلى الدولة بما أنها المسؤولة عن حل هذا الملف الذي يتعلق بالمسألة الشيعية في المملكة وشعور الشيعة بالتمييز الذي يمارس عليهم سواء الاجتماعي أو السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي. ما أريد الإشارة إليه وتسليط الضوء عليه هو كيف تنظر العقلية الأقلاوية إلى النقد الذي قد يوجه لها هل هو يمثل تهديد أم تقويم وإعادة رسم الخارطة من جديد وتعلم من التجارب التاريخية السابقة لكي لا يتم تكرارها مرة أخرى والوقوع في نفس الخطأ الذي وقع فيه من سبق؟ في العادة تشعر الجماعة الأقلاوية إلى أن أي نقد ضدها يعتبر تهديد لها ولمصالحها التي تسعى للحفاظ عليها سواء تلك المصالح الاجتماعية أو السياسية وتحاول قمع ذلك النقد بأي طريقة كانت وهذا بدافع « المحافظة على الجماعة وهويتها » وهذا في أبسط حالاته ينطبق على الطائفة الشيعية في المملكة لأنها حسب التصنيف تعتبر من الجماعات الأقلاوية. لذلك بكل بساطة يعتبر هذا الكتاب «الحراك الشيعي في السعودية تسييس المذهب ومذهبة السياسة» عند أكثر أبناء الطائفة الشيعية يمثل تهديد و« نشر للغسيل» كما يصفه البعض، وفي الأغلب تجد من ينتقد الكتاب لم يطلع عليه ولم يقرأه أصلا وإنما تشكل هذا الانطباع بالنسبة لدى البعض من السماع فقط وهذا مكمن الكارثة.

الكتاب بشكل عام فيه الكثير من المعلومات التاريخية التي من المفترض أن تدون من زمان وليس الآن وما قام به الأخوين بدر الإبراهيم ومحمد الصادق هو جهد رائع ومحاولة تستحق التقدير والشكر، الكتاب فيه أخطاء وفيه عجلة بعض الشيء في إصدار بعض الأحكام لكن هذا لا يضر في جوهر الكتاب الذي يعتبر إضافة قيمة للتاريخ السياسي في الحقبة الفائتة بالنسبة للحراك الشيعي في المملكة.

وما أود قوله في نهاية هذه المقالة أن الكتابة في هذا المضمار هو أمر شائك وفيه الكثير من الصراعات والمنافسات بين التيارات الفاعلة في تشكيل العقيلة للجماعة سواء الشيعية أو غيرها خاصة الجماعات التي توصف بالأقلية لأنها أكثر نزعة لدفاع عن نفسها والحفاظ على هويتها التي تخشى فقدانها وزعزعتها بالنسبة لأبنائها وأتباعها وهذا ما جعل من الكتاب محل جدل ونقاش منذ فترة صدوره وسوف يستمر لأن هناك بطبيعة الحال من هو راض عن الكتاب وأخر ساخط عليه وما ذكر فيه وهذا لا يغير من الواقع في شيء. أتمنى من الجميع عدم الوقوف عند هذه التجربة بل الاستمرار في الكتابة والتدوين وعدم الخوف من ذلك لأننا إن لم نكتب نحن فسوف يأتي من يكتب عنا وبعد ذلك لا يصح الوقوف والبكاء على الأطلال ومن حقنا وحق الأجيال القادمة معرفة التاريخ وفهمه وتحليله حتى نستفيد من تجارب السابقين وعدم تكرار الأخطاء حتى لا تصدق علينا مقولة « نحن أمة لا تقرأ تاريخها ».