بين تباشير الانخفاض وشعائر عاشوراء
شكلت جائحة كورونا أزمة دولية، وجد إنسان القرن الواحد والعشرين نفسه عاجزاً أمام فيروس صغير الحجم لا يرى إلا بالمجهر، ولم يعرف هذا الفيروس الغامض حدود ولا مذهب أو طائفة ولا دين، ولم يعرف غنياً أو فقيراً ولا رجلاَ ولا امرأة، فهو يسير بقوة وقسوة أثر بها على كل العلاقات المجتمعية والقضايا البشرية.
إلا أن هذه الجائحة العالمية، أوجدت حراكاً فكرياً ثقافياً بالمنطقة والعالم لا يقل عن الحراك الصحي، كما طرحت في ثنياها أسئلة لطالما تظهر وتختفي بين الفينة والأخرى للتداول كجدلية العلم والدين، ومنها العزوف عن زيارة المساجد والمراقد الدينية، فقد أوجدت هذه الجائحة أشكالاً على الفكر الديني، فقد كنا نعكف على زيارتها للصلاة وطلباً للتبرك والاستشفاء، ثم نُحجم عنها بسبب فيروس لا يرى بالعين المجردة، فقد كشف هذا الفيروس ضعف ووهن الإنسان أمامه.
ومع اقتراب شهر محرم الحرام، وذكرى عاشوراء الحسين» ع «، يتحسس الكثيرون مخاوف كثيرة بشأن وضع الضوابط، والتوجيهات، والبرتوكولات الصحية، لإقامة مجالس العزاء، بمناسبة ذكرى استشهاد سبط النبي محمد ﷺ، الإمام الحسين ، ولإحياء هذه المناسبة السنوية، التي ما عرف التاريخ مثيلاً لها. فقد انتهت هذه الواقعة التي أطلق عليها واقعة ”الطف“ باستشهاد الإمام الحسين ، ومقتل جل أهل بيته وأخوته وأنصاره بحد السيف، بمشهد إنساني مأساوي عميق وبأجواء شديدة الحرارة أمام حالة من التعطش للقتل الجماعي والتنكيل، في يوم العاشر من محرم عام 61 هـ ، أي قبل 1400 سنة، إلا أن قضيتها ومبادئها وأهدافها التي انطلقت لأجلها تتجدد، وهي المعركة الوحيدة بالتاريخ الإسلامي التي يكون كان فيها الخاسر منتصراً.
فتباشير انخفاض أعداد الإصابات بفيروس كورونا ليست مدعاة للاندفاع ألا مسؤول نحو التجمعات العائلية والعزائية المرتقبة، فالجائحة المُهلكة والتي عصفت بالكثير من أحبتنا، والملايين من البشر، لم تنحسر بعد، وعلينا شرعاً وعقلاً أن نلتزم دفع الضرر عن النفس بشتى الوسائل، وعن الآخرين بالالتزام الصارم بالإجراءات والبروتوكولات الصحية المتبعة، التي تساعد وتساهم في عدم انتشار الفيروس، فإن لم يكن هناك ضامن حقيقي
وضابط للإجراءات الوقائية من التباعد الجسدي ولبس الكمامة وأجهزة قياس الحرارة والتعقيم الدوري للمجالس والأيدي، وغيرها من المتطلبات الوقائية، وهي كما يعلم الجميع قد تكون صعبة التحقق في مثل هذه التجمعات، فستكون نتائجها سلبية.
أن تطويع التطور التكنولوجي، وغيرها كوسائل التواصل الاجتماعي لمصلحة هذه الشعائر هي من نتاج هذه الجائحة، ومن البدائل المطروحة دائماً، فقد واظب البعض، وانتشر البث بالوسائل المختلفة للتواصل الاجتماعي خلال الأشهر الماضية وأيام الحجر الصحي، فقد أجبرت هذه الجائحة والحجر الصحي في تعميق التعاون والتلاحم المجتمعي، وكانت شكلاَ من أشكال التنفس الرئيسية للبشر، وقد عملت كذلك على المحافظة على العلاقات الاجتماعية بينهم، عبر المحادثات الافتراضية واللقاءات الإلكترونية والتعلم عن بعد، وتبادل الأفكار والمعلومات ونشر الإرشادات الصحية والكثير الكثير من الأشياء الرائعة الجميلة، وكل ذلك هو تعبير صارخ عن تحديهم وتصديهم للفيروس، وهو بحق تعايش مع الأزمة، وهو من إيجابياتها الواضحة للعيان.
لا ننفي أهمية الشعائر الحسينية التي نستلهم منها العبرة والعضة والتلاحم الإنساني والمشاركة والخدمة بهذه المجالس لثوابها الكبير، وللتأسي بالكثير من الدروس التي سطرها الإمام الحسين ، وأهل بيته وأنصاره بهذه الملحمة التاريخية للاقتداء بهم والسير على نهجهم وهدايتهم فهو طريق السعادة الأبدية لأنفسنا ومجتمعنا.
ندعو احبتنا لتوخي الحذر من مكامن الموت الخفي لهذه الجائحة التي تهدد الجميع من حيث لا يحتسب نسأل الله أن يبعد عنا وعنكم البلاء.