من الطارق؟
- من الطارق؟
- أنا الفاطر.
- ماذا تريد؟
- أريدك أن تفطر هذا اليوم، ألا تعرف بأنه يوم عيد.
بعدها بدقيقة طُرق الباب مرة أخرى.
- من الطارق؟
- أنا الصائم أريدك أن تصوم هذا اليوم، هذا اليوم آخر يوم من رمضان.
دعونا نسأل أنفسنا هذا السؤال: هل أحد ممن فطر أو صام بالأمس طرق باب أحد ليجبره على الصيام أو الإفطار؟ هل أحد ممن تصدى لتثبيت الهلال أو نفيه يمتلك نظام الاطمئنان المستبطن في دواخلنا، والمقدرة على التحكم في قرارنا سلبا أو إيجابا؟ أعتقد بأن كل إنسان على نفسه بصيرة.
أ ليس المفترض أن يكون عيدا واحدا؟ هذا سؤال غير بريئ، ويحمل في طياته متفجرات خطيرة، تعمل على فتك وحدة المجتمع. الاختلاف سنة كونية، وحصول الاتفاق على ثبوت الهلال على نحو الدوام والاضطراد والسيالية المستمرة أمر مستحيل، لأن الأمر يعود إلى أن الاطمئنان كحالة نفسية راسخة تتفاوت من فرد إلى آخر، فضلا عن اختلاف مباني الفقهاء إزاء الهلال، فقيه يرى أداة الرؤية حصرا بالعين المجردة وآخر يوسعها إلى المسلحة، وفقيه يرى وحدة الأفق وآخر يمتد في سعته ليصل إلى العالم القديم وفقيه يعتمد الحسابات الفلكية ونحو ذلك.
إذن ما هو المطلوب منا في مثل هذه البلبلة، والتي تساهم فيها السوشيل ميديا وتجعلها مستعرة؟ الإنسان الحصيف في هذه اللحظة الحرجة هو الذي لا يكون عبدا للميديا وأسيرا لمادتها المتسمة بالغث والسمين، ولا يتلقف ما هب ودب، ولا يتبنى مواقفا بتأثيرها، ويسجل على زيد وعمرو ملاحظات لاختلافه معهما في خصوص هذا الموضوع.
حصافة الإنسان تقوده إلى جعل العقل قائده والحكمة والبصيرة نورا يستضيء بهما. من استضاء بنور الحكمة سيسير وفق محددات لا تصطدم مع عرف أو شرع، لن يزعق مع كل زاعق ولن يرهف بما لا يعرف، ولن يركب في مركب لا يأمن مخاطره. النظرة العميقة للأشياء، تجعل الفرد يذهب بعيدا _ عن اختلاف يتعلق بتقدم يوم أو تأخره _ بل يتجه نحو علاقة الروابط الرحمية والنسبية والدموية والأخوية والصداقة والزمالة والرفقة والجيرة. هذه النظرة العميقة المتجهة نحو التداعيات الاجتماعية التي أفرزها هذا الاختلاف الطبيعي، ولدت في نفسي أسئلة، وهي: هل نطلق نساءنا لأختلافهن معنا في العيد؟ هل نتبرأ من أبنائنا وأحفادنا وأخواننا لأنهم اختلفوا معنا في العيد؟ هل نمنتع عن البر بالوالدين لاختلافنا معهم بالعيد؟ هل نقطع علاقاتنا بأصدقائنا وأصحابنا لاختلافنا بالعيد؟ هل ينبغي أن نقاطع إمام الجماعة الذي اختلف معنا في العيد؟ هل نقدم استقالتنا من العمل لأن زملاءنا اختلفوا معنا في العيد؟ هذه التساؤلات جعلتني أفكر مليا وأسأل نفسي مرة آخرى: ما هو دورنا في هذه البلبلة الذي يستحضرها البعض في السوشيل ميديا كأنها حرب داحس والغبراء التاريخية؟ دورنا أن نسمع صوت العقل، وألا ننجر إلى الدفاع عن فئة أو جماعة، وإلا ندخل في محاكمة رأي لفقيه، ونرجح رأيا على رأي، ونحن نفتقر إلى أدوات ممارسة المحاكمة العلمية. وأن نعمل على نثر زهور المحبة والمودة والأخوة والتكاتف. بدلا من نثر بذور الفتنة والخصام والتناحر والتشاجر بين أفراد المجتمع الواحد، بل بين الأسرة الصغيرة الواحدة. فأكبر ثمرة يحققها الفرد من صيامه وقيامه في الشهر الفضيل هو انعكاس ذلك الصيام والقيام على علاقته بمن له صلة بهم من أهل وأقارب وأصدقاء وزملاء. وفي هذا المقام استحضر كلمة سمعتها من مقطع مسجل للعلامة السيد محمد حسين فضل الله رحمه الله، إذ يقول: أحب الذي فطر لأنه فطر عن حجة، وأحب الذي صام لأنه صام عن حجة، واتركوا البلبلة.
وفي الختام أقول: أن تحقيق معادلة صفاء القلوب يتم من خلال تبني شعار: كل عمل بتكليفه، وليست وظيفتي ترجيح رأي على ر أي، أو الدفاع عن أحد. دمتم موفقين وكل عام وأنتم بخير.